ليس لعاملات المصانع غير الريح

10/02/2025
Whatsapp Image 2025 02 10 At 12.09.43

” لا أحد سيصير يوما غنيا بخروجه إلى العمل مع الثامنة وعودته للمنزل مع الخامسة مساء.”

هذه المقولة الشهيرة، رغم ما فيها من صحّة وتأكيد على عبثية الركض خلف حلم الثراء الكاذب،بالانصياع لشرائع العمل القائمة وقوانينها المجحفة، يبدو أنها غدت قاصرة عن كشف مستويات ذلك الإجحاف في حق أغلبية من البشر المنوّمين، ممّن ديدنهم الركض اليومي المميت خلف ذلك الوهم.  وذلك عبر النهوض عند الساعة الثامنة صباحا، وترقب العودة بأغلب الأحلام متحققة مع الخامسة مساء. وصار ضروريا لمزيد تعريته، ادخال تعديل جوهري على المقولة يقتلع الوهم من جذوره، لتصير هكذا:

” لا أحد بلغ أو سيبلغ مستوى الكفاف وكفاية الضروري من حاجياته بخروجه إلى العمل مع السادسة والنصف صباحا وعودته للمنزل ( إن كان له منزل) مع السادسة والنصف مساء.”

من نافل القول إعادة التأكيد على قيمة العمل، ليس لمجرد بيع الجهد مقابل البقاء على قيد الحياة، أو لتضخيم معدّلات القيمة المضافة التي يجنيها أصحاب الرساميل من وراء المجهود السخي للمشتغلين عندهم. بل باعتبار العمل صورة من صور الإبداع والإضافة لكيان الإنسان ومساهمته الطوعية في إغناء الحياة الإنسانية، بعد تحررّه من ضغط الحاجة والضرورة، فلا يظلّ العمل عنوانا لتلبية تلك الحاجة، بل دليلا على تجاوز الإنسان لها.

جموع النساء اللواتي نراهم مع فجر كل يوم، محتشدات في تقاطع الطرق في عشرات النقاط في مدينة القيروان، ينتظرن في الظلام الفجري، تحديدا مع مغادرتهن للمنازل في السادسة والنصف، قدوم حافلات المؤسسات الخاصة التي يشتغلن فيها. لتأخذهن، فيما يشبه وضع الرهائن، لمواقع العمل والانتاج.. هل نجد بينهن امرأة واحدة تحمل في عقلها تصورا لممارسة العمل وفق الأنظمة والتشريعات القائمة، إلا على أنه تجسيما وافيا لا مهرب منه للجحيم الأرضي، عليهنّ أن يعشنه بشكل يومي بصفته الصورة الوحيدة المتاحة للعيش؟

صباح كل يوم، وباكرا مع السادسة والنصف، تشرع حافلات تابعة للمؤسسات الخاصة، قديمة متهالكة من الخارج، وقذرة من الداخل، الكثير منها زجاج نوافذها مكسور ومقاعدها مخلخلة لم يبق منها سوى الهيكل الحديدي لمقعد، وأبوابها لا تقفل إلا يدويا، ممّا يجعلها وسائل نقل في منتهى الخطورة، لكنّ أصحابها مالكي المؤسسات لا يبالون برثاثة حالها ويعتبرون اعتماد تلك الحافلات برهانا على حسن التصرف في موارد المؤسسة، بما يكفل ذهاب الشطر الأعظم من المرابيح إلى جيب مالك المؤسسة صاحب رأسمالها. وسريعا ما تشرع تلك العلب الحديدية المتحركة بالدوران والتقاط حشود النساء المنتظرات في المفترقات وشحنهنّ ّبأقصى سرعة ممكنة نحو مقرّات العمل.

لا تختلف ظروف شحن العاملات في الحافلة إلا شكليا عن ظروف ركوب عاملات الفلاحة للشاحنات التي ستوصلهنّ لمواقع العمل في الحقول. أما الجوهر فثابت لا يتغير: استنزاف كلا الفريقين إلى أقصى درجة، لافتكاك أكثر ما يمكن من فائض القيمة لفائدة صاحب العمل.

ولا يكفي، للتأكيد على روح الشطارة والتّكالب على الربح المتمكّنة من صاحب  المؤسسة، استخدام وسائل نقل من صنف من تحت الخردوات، وتعديل توقيت الدخول ليصير السّابعة أو السابعة والنصف بدلا من الثامنة، بل يمتد حبل الشطارة للضغط على التكاليف، ليشمل تعيين سائق للحافلة من المتقاعدين، يشتغل على أساس اليوم دون عقد، وبأقل من نصف الأجر الذي يتقاضاه سائق نشِط، يشتغل بمقتضى عقد.

فهنا، علاوة على  الأجر الهزيل، نجد أن هناك ساعة عمل غير مدفوعة الأجر قد انضافت لسلسلة الأعباء التي على النساء العاملات احتمالها. ولا نجد اعتبارا للنهوض  مبكرا مع الخامسة والنصف للتجهز للذهاب للعمل وترتيب شؤون العائلة، ثم التحول مشيا على الأقدام حتى بلوغ النقطة التي ستلتقطهنّ منها الحافلة.

ولا يقتصر عمل تلك الحافلات القذرة، التي لا تتوقف عن الدوران في الصباح الباكر لشفط القوى العاملة نحو أعماق المصانع والمنشآت التابعة، على مهام السيطرة والاحتواء الجسدييّن للعاملات وافتكاك كل دقيقة ممكنة من حياتهن وتجييرها لمصلحة رأس المال، بل يتعدّاها ليمثل، جنبا إلى جنب، مع اليونيفورم الذي يصررن على ارتداءه حتى خارج وقت الدوام، بحثا ساذجا من قبلهن عن شكل من الأهمية، وقيمة ضائعة لبشريتهن، انتاجا مموها محاطا بكافة عناصر الزيف والمخادعة، لنوع من الانتماء يسبغ عليهن هوية موهومة قوامها رابطة مصطنعة تشدهن للمؤسسة التشغيلية الخاصة وصاحبها، تنبني على القهر والاجبار المتغطيين بقناع من التقدير المغشوش، يجسمه توفير حافلة خربة للعاملات وإلباسهن اليونيفورم الأنيق للعمل، ليغيب نحو أعماق لا وعيهن وضع الاغتراب الذي يعشنه في حياة يفتك منهن أغلبها. وشعورهن بالانفصام التام عن بيئة العمل والمسافة النفسية التي تعزلهن عما تنتجه ايديهن وعقولهن من أشياء وسلع.

ح. 42 سنة.. التي تزوجت في سن السابعة والثلاثين، اعتبرت نفسها محظوظة بعثورها على عمل في مؤسسة خاصة تبعد عن مقر إقامتها 45 كيلومترا، ووجود حافلة تقلها لمقر العمل في الصباح الباكر وتعيدها قريبا من المنزل في المساء، زوجها لا يملك عملا ثابتا وتعيش معه في منزل مكترى ولديهما طفلان. 

لكنّها اكتشفت سريعا، بعد تسلّمها الشّغل أن دخلها الذي لا يتعدى 550 دينارا مقابل تسع ساعات عمل، تنقسم إلى حصتين تفصل بينهما استراحة بنصف ساعة. ما أن تقبضه حتّى يتلاشى من يدها. فنصفه يذهب معلوما للمدرسة الخاصة والروضة اللتين وضعت فيهما طفليها إقامة كامل اليوم. وما تبقى يذهب للكراء. وكمالة الأجر تعين به زوجها لمجابهة النفقات اليومية. تحاول ح. تعزية نفسها وتقويتها بالتأكيد لها بأنها إنما تقوم بالتضحية من أجل طفليها لتؤمن لهما مستقبلا جيدا، لكنها في أعماقها تدرك أن هذا ليس سوى وهم من الأوهام، وأن جوهر ما تقوم به لا يتعدى كونها مجرد أداة يتم من خلالها تدوير المال بين أيدي أصحاب الرساميل.

فما تقبضه لقاء عملها من عرفها الرأسمالي الأول، تصب أغلبه في أيدي الرأسماليين الآخرين، أصحاب دكاكين التعليم الخاص ومالكي العقارات المعروضة للكراء.

أما س. 36 سنة. فهي حاملة لإجازة انكليزية شرعت حديثا في العمل في مؤسسة خاصة على مسافة 15 كيلومترا من منزل أبويها، بعقد يدوم شهرا واحدا قابلا للتجديد ( ولعدم التجديد كذلك، وفقا لحسابات رب العمل وتقديراته) بما يعني بوضوح أنه من المستحيل عليها القيام بأي تأسيس في ظل شروط مثل هذه، لأنها ستجد أنها تستند بظهرها إلى الريح.

أما ر. فهي تبحث عن أفق لحياتها أوسع وأكثر اشراقا مما يوفره لها عملها الحالي، تعمل م. في نفس المؤسسة مع س. لكنها تكره ركوب الحافلة، وتنفر من وضعية الانحشار القطيعي التي يتم اخضاعها لها بشكل يومي ولا ترى في هذا الروتين غير مراوحة قسرية بين حضيرتين مقفلتين: حضيرة العمل وحضيرة المنزل العائلي. بيد أن اعتمادها وسائل غير نظامية لبلوغ مقر عملها والعودة منه، مثل الركوب مع أحد المعارف أو السعي لتوصيلة بالاوتوستوب، يثير غالبا لغطا بين رفيقاتها يتعلق بسيرتها وأخلاقها. وتلك احدى الأشكال الخاطئة في التعامل مع المأساة؛ صرف النظر نحو سلوك العاملات ونوعية أخلاقهن بدلا من التركيز على الظروف المجحفة للعمل وقسوة علاقات الانتاج. 

حقائق العمل تحت شرائع رأس المال أطاحت بوهم تحقيق الثراء بالنهوض عند الثامنة والعودة من العمل عند الخامسة، بنفس الكيفية التي أطاحت بها بوهم تحقيق حياة الكفاف من خلال النهوض للعمل في السادسة والعودة منه مساء في السادسة والنصف.

هنا في القيروان، المونوبولات التجارية العملاقة ممثلة في السوبرات، برساميلها المتأتية من القروض السخية التي تضخّها لها البنوك التي تدرك أن مونوبولات الاستهلاك تلك، هي عبارة عن صفقات مربحة لها ألف في المائة، دمّرت بشكل لا رجعة فيه أي إمكانية للبعث مشاريع صغيرة يستطيع من وراءها البشر عيش حياة قريبة من الكفاف، فنرى صاحب المونوبول التجاري قد تسبب بمشروعه الاحتكاري الذي يدعمه رأس مال فائق الضخامة، في تخريب أسس خمسين مشروعا صغيرا قائمة سلفا، وتسبب في إجهاض إمكانية بعث خمسين مشروعا آخر، سد في وجهها الساحة باحتكاره توزيع وبيع مختلف البضائع، وصب ريع الأوّلين والآخرين في جيبه وجيب البنك الذي يموله. مقابل مساهمة اجتماعية هزيلة جدا لا تزيد على تشغيل ثلاثة أو اربعة من العمال والعاملات بعقود قصيرة الأجل، شبيهة بالعقد الذي تشتغل على أساسه الفتاة س.

ماذا تبقى إذن أمام ح. وس. ومثيلاتهن من خيارات؟ ربما الخيار الوحيد الذي تركه لهن رأس المال هو خيار عدم الموت جوعا. لكن بأي ثمن وما المقابل الذي يتعين عليهن دفعه وبأي من أحلامهن سيضحين؟ الإجابة الفورية هي أنه عليهن التضحية بجميع الأحلام للاحتفاظ بحظوظ النجاة من مصير الموت جوعا. وفي الحقيقة لا أحد من الناس مات جوعا بعد في تونس، ليس لأن أنظمة العمل القائمة ومعدلات الإحاطة الاجتماعية قد أوصلت حياة البشر لمستوى صاروا فيه في مأمن من التردي في ذلك المصير، بل لأن أغلبية الناس وصل بهم التنازل والخضوع لشروط رأس المال حد التخلي عن جميع الأحلام والتطلعات لحساب اجتناب مصير مثل هذا. سد أصحاب رؤوس الأموال التي تتكدس في البنوك جميع المنافذ لتحقيق أمل الحياة الحرة الكريمة في وجوه الناس. ولم يتركوا متاحا أمامهن غير ذلك الشق الضيق الذي يقيهن الموت جوعا وأجبرن على ولوجه هلعا والقبوع فيه مدى الحياة.

المقولة الشهيرة ” انك تعمل لتعيش، فلماذا تقتل نفسك بالعمل” يبدو أن الزمن وتراكم الوقائع وضراوتها، قد صيرتها مقولة منتهية الصلاحية، لأنه حتى الوضع الذي بمقدورنا فيه العمل لمجرد تحقيق هدف العيش، القريب في دلالته ومعانيه، من الوضع الحيواني الصّرف، قد غدا بدوره أمرا شبه متعذر، مع حالة الجشع والجوع المتوحّش للرّبح التي بلغها نظام رأس المال. القائمة على شفط أكبر قدر ممكن من طاقات العمل بأبخس الأجور، لحساب الرفاهية الفردية لقلة من العائلات التي اعتادت توارث الثروات وامتيازات القيادة وسن القوانين على مقاسها. لنجد بذا أنفسنا مضطرين لمصارحة ح. و س. وجميع أبناء وبنات طبقتهن، بحصول تعديل قسري وجوهري على تلك المقولة، ليصير فحواها هكذا: انه لا يكفي أن تعمل لتعيش، بل عليك أولا أن تقتل نفسك بالعمل، ليرى صاحب رأس المال فيما بعد في أمر حياتك أو موتك..

يظهر رب العمل الرأسمالي هنا، كأنه يعطي لعاملاته كافة الخيارات، في موقف ظاهره كله ديمقراطية ونزاهة وشفافية، فالواحدة منهن مخيرة بين أن تعمل أو أن لا تعمل. لكن من غير المسموح به النقاش حول شروط العمل الاساسية وظروف الإنتاج وكيفية احتساب عائد قيمته ونظام توزيعها.. هنا الحرية ليست سوى سلسلة من المخادعات؛ لأن العاملات يعرفن يقينا أنه ما من خيار فعلي وحقيقي أمامهن، ورب العمل يعرف أن سياط الحاجة ستجبرهن على الركوع والخضوع لشروطه.

منذ زواجها برأس المال، لا تنفك الليبيرالية تقدم للبشر شكلا مسموما من الحرية. حرية مخلوطة بكافة صور الرعب ومسيجة من جميع جوانبها بالنهايات المميتة، فهي مثلا لا تعتقل الهواء، ولكنها تحرمك من امتلاك جهاز تنفسي. ولا تبخل بنصب الولائم الشهية، لكنها تقوم بحرمان البشر من امتلاك أيدي، او تسور ولائمها بالقنّاصة. ثم تتسائل مندهشة: ما الذي يمنعكم من أن تتنفسوا ولماذا لا تأكلون من الوليمة مثل غيركم ؟

يبحث الرأسماليون عن اعتراف متجدد بديمومة نظامهم، عبر قبول مبادرات التحسين في ظروف العمل، لتكون البديل الدائم عن وضع المسائلة الجذرية الذي يتعرض للطمس والتبخيس والاتهام بالطفولية دون انقطاع، لنظام ثنائية عرف/ عامل. مالك وسائل انتاج ورساميل متمركزة مقابل يد عاملة منتجة للقيمة وغير مستفيدة من عائدها إلا بنسبة ضئيلة جدا.. لا في اتجاه اصلاح عورات هذا النظام وترميم اعطابه، بل لتفكيكه كليا كسمة من سمات مرحلة تاريخية متجاوزة، اصطبغت بطابع القهر والظلم وافتكاك الحقوق وتمركز الثروات وملء حياة غالبية البشر باليأس من غدهم وتعويمهم في مرارات لا تنتهي. واحلال نظام تشاركي للعمل والانتاج محلّه.

فيبدو هنا العمال والعاملات ضحايا هذا النظام، كأنهم واقعون بين كماشتين، فهم بانصياعهم لكذبة الاصلاح وذهابهم لمفاوضات تحسين ظروف العمل في ظل نفس القوانين الاستغلالية الاحتكارية، يظهرون مثل شركاء في العملية التجميلية لأنظمة العمل الرأسمالي البشعة. فيمنحونها اعترافا جديدا بشرعيتها التي تستمدها أساسا من قوة الأمر الواقع الذي تفرضه، ويساهمون فيه بتشحيم مفاصل ذلك النظام وضخ المزيد من القوة فيه. 

وإن لم يفعلوا، واختاروا المقاطعة والتّمرد على شرائعه، قطع النظام رزقهم وتركهم في قبضة الحاجة في حالة شبيهة بالاحتضار الطويل.

ويستمر نظام العمل هذا في مخادعاته، فنراه في فترات زمنية محسوبة بدقة، يقوم بتصعيد وترقية عدد شديد الضآلة من عامليه وعاملاته، من الذين أتاحت لهم ظروف معينة شديدة النّدرة الحصول على تكوين تقني عالي الجودة، نحو مراتب مهنية ومالية متقدمة تكفل لهم الحياة المرفهة والحضور الاجتماعي البرّاق المؤثّر. يقدمهم نماذج للنجاح وقدوة للآخرين، ليبرهن بذلك على فاعلية نظام ” الجدارة ” الذي أساسه الانصياع للشرط الرأسمالي، وبنيانه يقوم على التنافس المميت وكدح الفردانية المنغلقة على رهاناتها الخاصة، لإثبات تفوقها وجدارتها بالتصعيد بأي ثمن وبأي كيفية.

نظام” الجدارة” أو ” ليكن البقاء للأجدر” هو نظام متوحش ناسف لكل روح تعاونية، نظام مقفل بطبيعته. الذهاب بالمعايير المهنية بعيدا عن أي متطلب معيشي اجتماعي محارب للضرورة،. والفرز والاسقاط دون هوادة لأحلام البشر وتسفيه رهاناتهم وبالتالي تتفيههم كليا كذوات بشرية دون مستوى الجدارة طبقا لمعايير رأس المال، هما ساحة اشتغاله الأساسية.

تنحو كل من ح. وس. ور. إلى اللامبالاة والقبول بالوضع المعيشي شديد الانخفاض الذي هن فيه، لعل وعسي يحدث الله بعد ذلك أمرا. معتقدات أن بوسعهن باعتماد سياسة الانحناء الدائم لعاصفة تأبى دواماتها أن تنقشع، المحافظة على قدر من الطفو فوق أتون الأزمات التي تحاصرهن. لكن مع ذلك، هناك حقيقة لا مهرب لهن من مواجهتها، تتمثل في الحضور الساحق لماكنة فرز وتصنيف لا ترحم، لا تنفك تعمق المسافة بين الحاجة المستفحلة وقدرتهن على تلبيتها.

لو خطر لواحدة منهن أن تأخذ بزمام المبادرة وتحاول إقامة مشروعها الصغير الخاص، فعليها أولا الانصياع لحزمة من شروط العمل التي يفرضها نظام العمل وبعث المشاريع بوجهه الرأسمالي الصريح، لتكون بذلك مثل من يفرّ من اللهيب إلى النار، وعليها ثانيا تقبّل حقيقة أنها عاجزة عن المنافسة، برأسمالها شديد التواضع، في حلبة تتصارع فيها مونوبولات التجارة والرؤوس الكمبرادورية مرة، وتتحالف مرة أخرى، لتخنق أي مزاحمة للمونوبول تأتي من أيّ باعث طموح يبحث عن نصيب من الغنيمة. ساحة انشاء المشروعات صارت ساحة خالية من الشرف ومن الأمل. ومن يغامر باقتحامها، عليه تهيئة نفسه لعمر من العذاب في سبيل لا شيء، لكن الأوهام مازالت متمكنة من العقول، يعززها اعتقاد بإمكانية حصول تبدل إعجازي في الوضع برمته، ينقل العاملات من ضفة البؤس الشديد إلى ضفة الحياة السعيدة. لكن لا ح. ولا س. ولا ر. ولا أي من العاملات اللواتي يعشن مثل ما يعيشه هذا الثلاثي التعس، بوسعها تقديم رسم واضح الملامح لخطة لا تتضمن في مساراتها الاساسية، الاصطدام المباشر والعنيف برأس المال وكمبرادوراته، يعتقدن فيها الخلاص مما يعشنه من كوابيس لا نهاية لها. 

…………..

عادل الحامدي

حي النصر

04-02—2025

مقالات ذات صلة

  • شركة “كاشكي” الألمانية تتخلّى عن 400 عامل/ـة بذريعة “وباء كورونا”

    قرّرت الشركة الألمانية كاشكي كمبوننت – تونس،  المختصة في صناعة المركّبات الإلكترونية، عدم تجديد عقود قرابة 400 من العاملين المتعاقدين لديها،…

    الأخبار, تونس, عمّالية, نضالات اجتماعيّة, هام

    91286847 2611724302476262 1096594485988556800 n