فيديو | لماذا تَتَسوّلين سيّدتي؟

انحياز – خاصّ – غسّان بن خليفة

مساء الثلاثاء المنقضي، قرب شارع جون جوريس سط العاصمة، لاحظتُ صدفة، أثناء مروري مع صديق، المشهد التالي: مجموعة من السيّدات تُحطن بسيّارة فاخرة وتستجديْن صاحبها أمرًا ما، تحت أنظار حارس المأوى الذي خرجت منه العربة.

اقتربنا لنستطلع الأمر، معتقدين أنّه يتعّلق بخلاف شُغلي أو بنساء يبحثن عن عمل أو ما شابه. فاكتشفنا أنّ الأمر يتعلّق بنساءٍ قَضّيْن ما لا يقلُّ عن أربع ساعات بنفس المكان ينتظرن خروج أحد أصحاب المحلّات التجارية، “المعروف بطيبة قلبه” كما قالت إحداهُنّ، ليتسوّلن منه صَدَقة.

حاولنا أن نحصل على إجابات لبعض الأسئلة التي تخامر الكثيرين عند مرورهم بمتسوّل أو متسوّلة، وهم يرمقونهم بنظرات تترواح بين الشفقة والإرتياب : لماذا يتسوّل هؤلاء؟ لماذا لا يشتغلون أو لا يبحثون عن شغل؟ هل هم فعلاً فقراء أم فقط مجرّد كسالى يفضّلون “اللقمة الباردة”؟ وماذا عن “المُعوَزين”، كما يسمّيهم الخطاب الرسمي، أليست الدولة تساعدهم عبر “منحة اجتماعيّة” و”دفتر علاج”؟ والخ.

 

هذه السيّدة قبلَت أن تجيب على أسئلتنا المتحرّجة، بشجاعة وصراحة من “لا يُخفي شيئا ولا يملك ما يخسر”، كما قالت. شرَحت هذه المرأة الخمسينيّة دون تلعثم ظروف عيشها البائسة، دون أدنى مبالغة. تحدّثت عن تخلّي الدولة عنها، عن عدم نجاحها في الحصول على شغل بسبب حالتها الصحّية، وعن “كفاحها” لتظهر في أحد البرامج “الإجتماعيّة” على قنوات الإعلام الخاصّ… قبل أن تأكّد لنا، إثر انتهاء التصوير، عدم ندمها على قضائها شهرًا في السجن تنفيذًا لمعاقبتها قضائيًا على تُهمة التسوّل… وسيلتها الوحيدة للبقاء على قيد الحياة هي وعائلتها، كما أوضحت…

لا ننشر هذا الفيديو من باب “الشفقة”، أو تشجيعًا على التسوّل، ومن باب أدنى للانخراط في تجارة “استثمار البؤس” وما تدرّه على بعض أصحاب الحوانيت الفضائيّة من نِسب مشاهدة ومداخيل اشهاريّة. ننشر هذه الشهادة لما لامسنا فيها من صدقٍ ووجَع قد يساهمان في تنسيب رؤية البعض منّا لفئة اجتماعيّة، غير متجانسة بلا شكّ، لكن تحوم حولها الكثير من الأراء المُسبقة.

م: لمن يريدون مساعدة هذه السيّدة، يمكنهم الاتصال بنا مباشرة (عبر البريد الخاصّ لصفحتنا) لتمكينهم من رقم هاتفها.

 

أعجبك عملنا؟ يمكنك دعمنا وتعزيز استقلاليّتنا !

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *