بدأت مظاهر التغيّر المناخي تظهر للعيان بصفة أوضح أكثر فأكثر. وقد كان ارتفاع درجات الحرارة الاستثاني الذي عشناه في ديسمبر الماضي آخر مؤشر على ذلك. إلاّ أنّ التغيّر المناخي لا يقتصر على ارتفاع درجات الحرارة وأن نعيش فصل شتاء أقرب منه للصيف. بل إنّ للتغيّر المناخي ارتدادات مباشرة على حياة جزء هام من سكان الكوكب بسبب موجات الجفاف والعواصف الشتوية الأقوى والأكثر تواترا وتوغّل ظاهرة زحف الرمال وارتفاع مستوى سطح البحر وتلف المحاصيل الزراعية، هذا عدى عن تأثيره على الموارد المائية ومن ثمّة على غذاء جميع سكان العالم. كلّ هذه الظواهر سببها الأساسي هو الانبعاثات الكربونية، ولا مناص من التقليل من هذه الانبعاثات لإنقاذ الحياة البشرية على هذا الكوكب.
يقول جيم سيكيا، الأستاذ في كلية لندن الملكية والرئيس المشارك في فريق العمل المسؤول عن أحدث استعراض شامل (2022) لعلوم المناخ نفذته الهيئة الحكومية المعنية بتغير المناخ (IPCC) أنّ “اللحظة المناسبة هي الآن وإلا فلا، إذا كنّا نريد حصر الاحترار العالمي عند 1,5 درجة مئوية”. كلّ المؤشرات تدلّ إذن على أنّ الانتقال الطاقي نحو طاقات متجدّدة لا تستعمل الأحفوريات ولا تتسبّب في انبعاثات كربونية هو أمر عاجل وحتميّ لا محالة من أجل استدامة الحياة البشرية على الكرة الأرضية. وكل الخطابات الرسمية لجميع القيادات السياسية في العالم تصبّ في هذه الخانة.
ويُخبرنا كتاب “آبار قديمة واستعمار جديد”، الذي أصدره المعهد الدولي TNI، أنّ الصورة ليست وردية كما يُسَوَّق له، خصوصا في المنطقة العربية، وتحديدا بشمال إفريقيا. فقد جمع هذا الكتاب دراسات ومقالات من باحثينات من مختلف بلدان المنطقة ليعطونا الترجمة العملية لتلك الخطابات في بلدانهم. وقد أتى هذا الكتاب تعبيرا عن ضرورة وجود كتابات بأقلام باحثينات وناشطينات من المنطقة لكشف اللثام عن حقيقة تلك الخطابات المتمركزة شمالا وما تخفيه من تواصل للعقلية الاستعمارية، وكذلك عن الأضرار التي تلحق بلدان الجنوب من سياسات هؤلاء. فالمتسبب الأول في التغير المناخي هم بلدان الشمال المصنّع، ومن يعاني أضرار التغيّر المناخي هم بلدان الجنوب، لكن فوق كلّ ذلك سيتحمّل بلدان الجنوب، وبالخصوص منطقة شمال إفريقيا، عبء المرور إلى طاقات نظيفة. لكنّ هذه “النظافة” لا تعني إلاّ بلدان الشمال.
فقد صار الانتقال الطاقي بالنسبة لبلدان المنطقة تعلّة لتوسيع منطق السوق إلى مجال الطاقة وهو مجال بقي حتى ماضٍ قريب بعيدا عن تجاذبات رأس المال العالمي وتشويش الاستثمارات المباشرة للشركات الكبرى المتمركزة في بلدان الشمال. كما صار الانتقال الطاقي قميص عثمان لأشكال جديدة من الاستخراجية والاستحواذ على أراضي المجتمعات المحلية وتدميرا لمجالاتهم الحيوية. كما يمثل هذا الانتقال خطرا على ما تبقى من الثروات المائية لبلدان المنطقة، خصوصا أن هذه الثروات مهددة بسبب التغيّر المناخي. ومن المتوقّع أن تصل أغلب البلدان العربية لمستوى فقر مائي مطلق بواقع 500 متر مكعب للفرد سنويّا بحلول سنة 2050.
الانتقال الطاقي فرصة لرأس المال الأجنبي لمراكمة الأرباح وتكريس التبعية
أولى الخصائص المشتركة لما يسمّى بالانتقال الطاقي في بلدان شمال إفريقيا هي التدخّل السافر لرأس المال الأوروبي في هذه العملية ومركزة القرار بين أيادي المفوضية الأوروبية. هذا التدخل يتمّ عبر شكليْن أساسيّيْن: في البلدان التي تشكو عجزا في توفير الطاقة لسكّانها مثل مصر والسودان، يتدخّل رأس المال الأجنبي عن طريق تنفيذ مشاريع الطاقة لتوسعة القدرة الإنتاجية لهاته البلدان. ففي مصر، يحدّثنا محمّد جاد في دراسته “دور المال الدولي في تسليع الكهرباء بمصر” كيف تحوّلت مشاريع الطاقة من التمويل العمومي إلى التمويل الخاص عبر عقود الهندسة والمشتريات والبناء والتمويل (EPC+Finance) والذي يقوم من خلاله المقاول المنفذ للمشروع بالبحث عن مصادر تمويله.
إلاّ أنّ هذه النوعية من المشاريع فرضت على الدولة المصرية تحرير أسعار الطاقة لضمان ربحيتها وهو ما أثّر سلبا على الأَُسر ذات المداخيل الضعيفة، وقد مثّل الضغط على هذه الفئات طريقة لتقليص الطلب على الطاقة. وفتحت سياسة التحرير هذه الباب أمام التمويل الخارجي لمشاريع الطاقة لتتدفق بشكل كبير، ممّا رفع القدرة الإنتاجية إلى حدّ فاق الحاجة ونشهد إذن حالة مزدوجة من فقدان الدولة السيطرة على السياسة الطاقية وتحميل الفئات الهشّة كلفة تسديد هذه التمويلات.
أمّا في السودان، فلا مجال بعد لما يسمّى بالانتقال الطاقي، اذ لم يتمّ إنشاء أول محطة شمسية إلا سنة 2020. لكن النقص الكبير في إنتاج الطاقة في السودان مثّل فرصة لرأس المال الأجنبي للاستثمار لبناء السدود وإنتاج الطاقة. فلا تغطّي قدرة الانتاج في السودان سوى 60% من الطلب، بينما يعيش 68% من السكان دون ربط بالشبكة الكهربائية. وتخبرنا دراسة رزار بشير ومحمد صلاح “أزمة الكهرباء في السودان: الحلول المستعجلة وفرص الانتقال الطاقي المستدام” أنّ هذه الحالة مثلت فرصة لتقاطع المصالح: فقد حوّلت سلطة البشير عمليات إنتاج وتوزيع الطاقة إلى واحدة من أكبر المشاريع السياسية لكسب التأييد وتمّ ترويج أن “سدّ مِروي هو مشروع القرن وبداية الإنطلاقة لكبرى لدولة السودان العظمى”.
كما تواصلت هذه الحالة حتى مع الحكومة الانتقالية. من ناحية أخرى، اقتنصت رؤوس الأموال، وخاصة الخليجية منها، الفرصة لتوفير التمويلات لبناء المشاريع مقابل الاستحواذ على مساحات كبيرة من الأراضي الخصبة لتحقيق أمنها الغذائي. بطبيعة الحال، أتت هذه الاستثمارات بعد إعداد الأرضية التشريعية المناسبة لضمان ربحيتها بتحرير أسعار الطاقة ورفع الدعم، وهو ما أدّى إلى زيادة الكلفة بـ3300% بالنسبة للفئات الأضعف وزيادة التعريفة الزراعية بـ5000%. كالعادة، الفئات الهشة هي التي تدفع الثمن.
الأمر مغاير بالنسبة لتونس والمغرب. ففي هذيْن البلدين لا توجد إشكاليات لتغطية الطلب، لذا كانت الأرضية خصبة لتنفيذ مخططات الانتقال الطاقي الأوروبية. هذه المخططات التي وُضعت في بلدان الشمال منذ مشروع ديزيرتيك المقبور (2009)، بسبب الأزمة الاقتصادية العالمية آنذاك، لكنه تواصل رغم ذلك عبر الضغط على السلطات التونسية والمغربية في إطار برامج أقلّ شمولا.
في تونس مثّل المخطط الشمسي التونسي صورة لهاته البرامج. فبتعلّة المرور من 3% في 2016 إلى 30% من الطاقات المتجددة في التركيبة الطاقية التونسية، يحدثّنا شفيق بن روين وفلافي روش في دراستهما “الطاقة المتجددة في تونس: إنتقال غير عادل” عن تمرير عديد التشريعات التي تفتح الباب أمام الاستثمار الأجنبي في هذا المجال وضمان ربحيتهم أهمها قانون 12 2015 الذي يكرّس اللبرلة والخصخصة وغياب سيطرة الدولة.
حيث تُفتح شبكة الكهرباء أمام الشركات الخاصّة مع إجبار الشركة التونسية للكهرباء والغاز على شراء الطاقة التي ينتجونها بصفة أولوية على منشآتها الخاصة وبسعر يضمن لها الربحية على المدى الطويل. كما أصدرت الحكومة التونسية في 26 فيفري 2020 قرارا يسمح بإنشاء شركات إنتاج ذاتي للكهرباء من الطاقات المتجددة تعتبره نقابة شركة الكهرباء والغاز قرارا يبجّل أرباح المستثمرين على مصلحة المرفق العمومي.
أمّا في المغرب، فإنّنا نقرأ في مقال جواد مستقبل “قطاع الطاقة بالمغرب: التبعية الدائمة” عن تمرير قانون الشراكة بين القطاع العام والخاص حيّز التطبيق سنة 2015، ما أتاح للفاعلين الخواصّ موقعا كمنتجين مستقلين، وعندها تُباع الكهرباء المنتَجة للدولة الملتزمة بشرائها بسعر متفق عليه لمدّة تمتدّ من 25 إلى 30 عاما بموجب عقود من نوع Power Purchase Agreement.
وتمّ في هذا القانون نقل مفهوم “الأداءات القائمة على الجاهزية” من التشريعات الأوروبية، وهو الذي يلزم المكتب الوطني للكهرباء المغربي بأن يؤدّي لذوي الامتياز الخواصّ ثمن مجمل ما يوفّرون من إنتاج، بغضّ النظر عن الاحتياجات الفعلية. وجه آخر من وجوه التبعية في المغرب يتمثل في تحكم الخواص في 71% من إنتاج الطاقة الكهربائية، وأغلبهم أجانب مع بعض الحيتان الكبيرة المحلّية.
الانتقال الطاقي وجه من وجوه تجديد الاستعمار ومواصلة الاستخراجية
إن أردنا تلخيص جوهر الانتقال الطاقي المخطّط شمالا والذي يتمّ تنفيذه جنوبا، فعلينا بما أتت به مقدّمة الكتاب: << دائما ما تكون السرديات نتاجا للحظة التاريخية، وهي لا تكون بريئة النوايا أبدا، ومن ثمّ على المرء أن يطرح السؤال: لمصلحة من يتمّ إنتاج المعرفة والتمثيلات والسرديات؟ ثمة مثال معاصر واضح، هو التمثيل الحالي لصحراء شمال إفريقيا، التي عادة ما توصف بأنها أرض فسيحة وخالية وميّتة فيها قلة من السكان، وكأنها الجنة الموعودة للطاقة المتجدّدة. بناء على هذا التصوّر، فهي تمثل فرصة ذهبية لتقديم الطاقة الرخيصة لأوروبا حتى تستمرّ في نمط حياتها الاستهلاكي الباذخ وفي استهلاك الطاقة المفرط.
تتجاهل هذه السردية الكاذبة أسئلة الملكية والسيادة وتُخفي وراءها علاقات الهيمنة والسيطرة العالمية التي تيسّر نهب الموارد وخصخصة المشاع وسلب المجتمعات، من ثمّ تدعم سبل الإدارة غير الديمقراطية والإقصائية للانتقال الطاقي. كما هي الحال في مناطق عديدة، حيث حياة الناس وسبل معاشهم خفيّة أو مخفيّة في عين الدول المستعمرة، لا توجد أراض خالية في شمال إفريقيا. حتى عندما تكون الأراضي قليلة السكان، فلا تزال البيئات التقليدية والأراضي المغروسة في قلب الثقافات والمجتمعات القائمة، ولا بدّ من احترام حقوق الناس وسيادتهم في سياق أي تحوّل اجتماعي إيكولوجي>>
ولعلّ أحسن مثال على ذلك تركيبات NOOro للطاقة الشمسية التي تقرّر ربطها بالشبكة العمومية المغربية سنة 2010، لتمثّل <<مرحلة جديدة نظيفة تمثل قطيعة مع الماضي>>. ورزازات هي منطقة في جنوب المغرب تعتبر بابا للصحراء ولها جميع المواصفات الاستشراقية باعتبارها منطقة صحراوية تتمتّع بإشعاع شمسي متواصل في منطقة قليلة الكثافة السكنية. إلاّ أنّ هذا المشروع تسبّب في الاستحواذ على 3000 هكتار من الأراضي الرعوية الزراعية للمجتمعات الأمازيغية المحلّية.
كما أنّ هذا المشروع يعطي الحجج القاطعة على ضرورة تنسيب مقولات الطاقة النظيفة بما أنّه يتسبب في استخدام مكثف للمياه من أجل تبريد نظام الانتاج وتنظيف الألواح الشمسية في منطقة تعيش بطبعها حالة من الشحّ المائي. تشبّه كارين ريجينال في دراستها “ماذا بإمكان منجم قديم أن يخبرنا عن الانطقال الطاقي العادل؟ دروس من الحراك الاجتماعي حول التعدين والطاقة المتجددة في المغرب” الاحتجاجات التي صارت في ورزازات ضدّ مشروع اللوحات الشمسية بالاحتجاجات البيئية والعمالية المحيطة بمنجم الكوبالت في بوازار.
وتقدّم هاته الدراسة أمثلة عديدة عن التشابه الكبير بين مشاريع الطاقة المتجددة الجديدة وأساليب الاستخراجية القديمة من زاوية استغلال المجالات الحيوية للمجتمعات المحلية وتدميرها، لكن كذلك من زاوية الأطراف والمصالح المالية المتماثلة في النمط الاستخراجي التقليدي وفي قطاع الطاقة المتجددة. وتقول كارين ريجينال في هذا السياق أنّ الاستخراجية التقليدية ليست قطاعا قديما إنّما على النقيض من ذلك يصبح النمط الاستخراجي أكثر أهمية في دعم الاحتياج المتزايد إلى المعادن الضرورية لإنتاج الطاقة المتجددة.
في سياق مشابه يحدّثنا شفيق بن روين وفلافي روش عن مشروع توربينات الرياح في قرية برج الصالحي التي تبعد 70 كلم على العاصمة تونس. فقد أثار تركيز هذه التوربينات واشتغالها احتجاجات سكان المنطقة لما سبّبته لهم من مضار، كالضوضاء التي تتسبب فيها هاته التوربينات وتأثيرهم على صحتهم وصحة الحيوانات التي يرعونها علاوة على تآكل التربة وموت أشجار الزيتون. هذا دون الحديث عن بقاء قرية برج الصالحي خارج خارطة الكهرباء، بما أنهم لا يستفيدون من التوصيل بشبكة الضغط العالي كما لا يمكنهم الحصول على العدّادات وتعاني شبكتهم المتدهورة من انقطاعات متكرّرة. إذن هم يتحمّلون الكلفة الاجتماعية والصحية والبيئية لمشاريع الطاقة المتجددة. هذا دورهم الوحيد في مخططات الانتقال الطاقي المسمّى زيفا “أخضر”.
عموما، تشهد الأغلبية الساحقة من المشاريع الطاقية الجديدة او مشاريع الطاقة المتجددة احتجاجات كبيرة ضدّ ما يعتبر إعادة إنتاج لامتصاص القيمة من الشعوب، وخاصة منهم الفئات الأكثر تهميشا. فمثلا مشروع NOOro بورزازات تسبّب بديون بقيمة 9 مليار دولار للدولة المغربية كما أنّه يتسبب بخسائر سنوية تقدّر بـ80 مليون يورو سنويا. كذلك، فقد تصدّت الجامعة العامة للكهرباء والغاز، وهي النقابة المركزية لعمال وموظّفي الشركة التونسية للكهرباء والغاز التابعة للإتحاد العام التونسي للشغل، فترة طويلة لعملية ربط المحطّات الشمسية بالجنوب التونسي بالشبكة العمومية للكهرباء لما يمثله ذلك من مسّ بالمصالح المالية للشركة، ولما يمكن أن ينتج عنه من مسّ بالمرفق العمومي المركزي للطاقة في تونس. كما تسبّبت عمليات رفع الدعم عن الطاقة في السودان وزيادة التعريفة الزراعية في احتجاجات المزارعين فيما سمّي بترس الشمال، هذه الاحتجاجات نجحت في تخفيض التعرفة بنسبة 57%.
يصبح السؤال إذن: أيّ انتقال نريد؟ يقدّم هذا الكتاب قراءة نقدية لمفهوم الانتقال الطاقي بنظرة جنوبيّة ومتموقعة إلى جانب المجتمعات المحلية والطبقات الشعبية التي ستتضرر مباشرة من هذه العملية. يغيّر الكتاب منظارنا لهذا المفهوم لنرى أنّنا نجد ما بين سطور شعار الانتقال الطاقي الرنّان مفهوم “الاستحواذ الأخضر”، وهو التعبير عن استمرار العلاقات الاستعمارية القائمة على انتزاع الملكية (وكذا تجريد الآخر من إنسانيته) ونقل الكلفة الاجتماعية والبيئية إلى البلدان والشعوب الطَرَفية، لكن ذلك يجري هذه المرّة باسم الانتقال الأخضر نحو الطاقات المتجددة. وعوضا عن ذلك، يدافع أصحاب وصاحبات الكتاب عن مفهوم الانتقال العادل: وهو يمثّل انتقالا منصفا نحو اقتصاد مستدام إيكولوجيا وعادلٍ لكلّ أعضائه.
ويعني الانتقال العادل انتقالا من نظام اقتصادي قائم على استخراج مفرط للموارد واستغلال الأشخاص إلى نظام مهيكل حول استرجاع وإحياء مجالات الحياة والحقوق وكرامة البشر. إنّ الرؤية الجذرية للانتقال العادل هي التي تُدرك وترى تدمير البيئة والاستخراج الرأسمالي والعنف الامبريالي واللامساواة والاستغلال والتهميش على محاور العرق والطبقة والنوع الاجتماعي ومن ثمّ تحلّلها بصفتها مفاعيل متزامنة تعمل ضمن نظام شامل يحتاج إلى التغيير. والحلول التي تسعى إلى تناول بعد واحد، مثل الكارثة البيئية، دون اعتبار البنيات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية الكامنة خلفها هي بالأساس حلول زائفة.
لكن: أمّا بعد؟ يفتح الكتاب الباب على تساؤلات أخرى من الضروري الإجابة عنها لنرسم طريقا واضحا نحو الانتقال العادل. يمكن أن تنقسم هذه التساؤلات إلى ثلاثة محاور كبرى: أيّ انتقال ممكن في ظلّ علاقات الهيمنة الامبريالية التي ترزح تحتها بلدان المنطقة، وهل من انتقال عادل ممكن دون إعادة تشكيل علاقاتنا مع بلدان الشمال على أسس متكافئة؟ أما المحور الثاني هو إمكانيات هذا الانتقال في إطار سياسات متمحورة على الذات: هل لدينا الإمكانات التقنية والصناعية والكفاءات العلمية اللازمة لإنجاز هذا الانتقال، بعيدا عن الخضوع للإطار النقدوي (monétariste ) المهيمن في خطابات السلطات وحتى على لسان بعض ممثلي الحركات الاجتماعية المناضلة والذي يفرض علينا أصفاد التقشف الإيديولوجية. أخيرا، هل من انتقال (عادل أو غير عادل) في ظلّ تواصل نمط الاستهلاك الرأسمالي الذي دُسّ في مخيالات الناس، حتى في بلدان الجنوب، وصار جزءا لا يتجزّأ من تمثّلهم للعالم والحياة.