ليس نظاما للتّفقير، بل نظاما لليأس من الحياة

04/04/2025
Adel hamdi

ستون دينارا بحالها، ما نقصن وما زدن . ذلك هو القسط الأول من المساعدة الرمضانية التي تقدمها الدولة لضعاف الحال. والقسط الثاني في نهاية الشهر.. ستّون دينارا أخرى.. مبلغ شديد الضّخامة يكفي الحاجيات كلّها ويفيض منه على الجوار، يجعلك لا تتردد في الثّناء على الحسّ الاجتماعي المتوهّج لهذه الدولة وشدّة حنانها على الضعفاء.

كنت سأعتبر قيس سعيّد معنيًا ولو بدرجة بسيطة بالتردّي الاجتماعي لمئات الآلاف ممّن تقطّعت بهم سبل العيش، لو أنّه قرّر، على سبيل الترقيع لسوءة الحال لا غير- بما أنّه الحاكم بأمره حاليا – زيادتها قليلا، فصيّر المساعدة الرمضانية الظرفية  200 د على قسطيْن. تعين بشكل أفضل مما تفعل 60 د مضروبة في اثنين.

لكن التّوجّه العام لا يبدو سائرا في هذا الاتجاه. أي اتجاهٌ فهم أنّ الفقر صار وضعا قارًّا ونهائيا لمئات الآلاف من بشرية تونس، وليس مثلما  يزعم المتنطّعون : ” حالة مؤقتة بالإمكان الخلاص منها بالقليل من الجهد الفردي والتعب مخلوف”. من المؤكد الذي لا يداخله لبس أن صار الفقر وضعا قارًّا، تنتجه وتعيد إنتاجه وتتسبّب في تمدّده الخيارات السياسية والاقتصادية التي تعتمدها دولة البورجوازية، المتجهة بكليتها لدعم البنوك والعائلات والاحتكارات الكبرى مثل “السوبارات” ومثيلاتها. وفي المقابل ثمّة توجّه واضح لتجريم الناس واعتبارهم متسوّلين مستهينين بكرامتهم، لأنهم “رضوا” بالعيش على مساعدة أو منحة أو صدقة – سمّها ما شئت – ال200د الشهرية التي تقدّمها لهم الدولة، وفوقها ما تيسّر ممّا يجود به حنان الأخيرة عليهم في المناسبات التي تتطلب انفاقا مضاعفا.. مثل رمضان والاعياد وبداية السنة الدراسية.. وكلّه فتات لا يغني ولا يسمن.

ما الذي يغني ويسمن في رأي العقل الدولاني؟

” عمّل على روحك .. شمّر واعفس.. جيب الطرح”

هكذا تعفي الدولة نفسها من كل مسؤولية ..

العقل الدولاني يضرب على النغمة الآتية:

-اعملوا المشاريع..

-وبطلوا من الطُلبة

-وعملوا على ارواحكم

-الدولة مفلسة وليس لديها الموارد لتعطيكم الى ما لا نهاية “

-عيب الفقر أن يبقى ملازمكم مدى الحياة، هو مسؤوليتكم وعاركم في نفس الوقت.

– وابدى بالشوية بالشوية، المشروع يكبر .

-وها كم من شخص بدأ من الصفر وصار لابأس عليه

سلسلة من المغالطات والأكاذيب، لا ينطبق عليها غير تعبير ” ويلٌ للشجيّ من الخليّ “.. أو مثل : ” انت عوم بحرك مادام الريح مواتيك “.. الحقيقة التي تفقأ العين هي أن باب احداث المشاريع مقفل بصورة كلّية. عقل الدولة يلوح منفصلا بشكل مرعب عن الواقع المعاش ويهيم في واد غير ذي زرع ، فلا يرى ما آلت إليه تلك ” المشاريع الصغيرة “التي يشجّعون – بالكلام وحده – الناس على إحداثها، ويعلمونهم بقدوم الأفضل الذي سينسيهم ما عاشوه من سوء. هكذا دون خطة أو مراجعة لما هو قائم. ولا يرى حالات الإفلاس بالجملة لكل من خانه رأسماله وهربت عليه السوق، إلا باعتبارها نتيجة لسوء التصرف، وهي أصلا سوق صغيرة وبائسة وشحيحة وقليلة التّنوع.

ليس هناك في الدنيا مشروع واحد بدأ من نقطة الصفر أبدا.. تلك كذبة بورجوازية لحرق الناس ورميهم في مسالك الضياع. جميع المشارع التي نجحت- ولا نناقش طبيعتها القذرة باعتبارها كلها مشاريع تربّح استهلاكي وخدمي عقيم لا غاية من وراء انشائها غير تكديس المال في جيوب باعثيها – ما يقربها من كونها مشاريع لصوصية- كانت مدعومة برساميل بالمليارات. هي عبارة عن قروض من البنوك، جاءت  بها شبكات من العلاقات وتسهيلات جمّة وتمكين من أولوية دون وجه حق ووسخ وفساد ضارب ودعم سخي من الدّولة، لا بفضل توجه مبدئي أو كفاح  خاضه باعثها لتقديم الجديد المفيد للبشرية. ويأتي بعد ذلك من يضرب صفحا عن كل هذه الحقائق ويقول للناس ” اعمل مشروع واخدم على روحك”.

ترى كيف سنجسّم قولا مثل هذا على الأرض..  في مناخ فاسد مثل الذي نتخبط في أوحاله؟ يحتار دليل المرء في طبيعة هذا المشروع الذي سيقيمه، ويوفر له المال ويحميه من  الخصاصة ويغنيه عن وضع التسول، الذي تمثله تلك الـ200 د المتأتية من الدولة كل شهر.

كيف يعيش الناس؟ ومن أين يبتغون الرزق؟ ترى على يمينك ويسارك مشروعات من كل نوع، تختنق بها السوق. 90 بالمائة منها في حالة احتضار. مشروعات تجارية وخدمية وحتّى منتجة لا تبيع شيئا.. ولا تعود بغير العناء على باعثيها؛ على شاكلة مشاريع تربية الدّجاج أو الأرانب.. التي كلّها تموت بعد مدة قصيرة.. بالأمراض التي تصيب الحيوانات أو عندما يتّضح أن الدّجاج لا يبيض أو بالغلاء الكاسح للأعلاف والعجز عن توفير فضاء مناسب لإقامة المشروع  وتعقيدات الحصول على الأوراق وبلادة الادارة.. العوامل الأربع المفشلة للمشروع تتظافر مع بعضها في نفس الوقت لتقضي عليه.

ماذا تبقي في ساحة ضيقة مثل الساحة التونسية يمكن انجازه كمشاريع، لتمكين الناس من العيش من وراءها.؟ التوجّه للصّناعات التقليدية هو توجّه للانتحار، بسبب رداءة المواد الأولية والغياب الكلّي للسوق والهجوم الساحق لمنتوجات الصين وتركيا على ما تبقّى منها. أذكر، بصفتي كنت مشتغلا في حرفة النسيج اليدوي ومدركا انهيارها الحتمي للعوامل التي ذكرت، كيف جرّني الوهم بالقدرة على احيائها إلى الاتّفاق مع سيدة مشتغلة مثلي في نفس القطاع في صفاقس، على أن أنسج لها عدة قطع لتقوم هي بترويجها بعد تفصيلها معاطف وألبسة من صنع يدوي. لكن النتيجة كانت كارثة على كلينا، لأنّ جميع المواد الأولية التي تدخّلت في تركيبة النسيجة كانت مغشوشة فاسدة. أما المواد الأصلية فقد اندثرت كلها، مثلها مثل البذور والمشاتل وأي منتوج له صبغة حيوية عندنا. 

هل نذهب بكل قوتنا لمشاريع الخدمات؟.. الجميع يعرضون الخدمات.. ولعل عارضيها صار عددهم أضعاف طالبيها. أم مشاريع شراء الاثاث القديم وإعادة بيعه.. هذا القطاع صارت تحتكره عصابات منظمة تستأثر بكل قديم لا يزال محافظا على قدر من الرّونق، يفرّط فيه أصحابه بثمن بخس لحاجتهم للمال، مكتفين بالحدّ الأدنى من اللّوازم، وتطرحه في السوق بسعر يفوت سعره وهو جديد. على أساس أنّه منتوج ” زِمني” مقاوم لعوامل التآكل، برساميل ضخمة وعدّة لوجستية لا تُنافس.. مشاريع “الفيراي” أو بيع الخردوات تجدها في كل ساحة وطريق، وكذا الملابس المستعملة التي لا يربح عارضوها من صغار الباعة المنتصبين في الساحات العمومية من وراءها شيئا. لأن أغلبها ينتهي في المزابل، لينتج تلوّثا مرعبا. هي والبلاستيك وأشلاء اللعب والآلات المستوردة من الصّين. والرابح الوحيد هم مورّدوها، الجزء الرّث من الكمبرادور الخانق للاقتصاد، الحيتان العملاقة الرابضة في البرط توزع ” البالات” بالجملة. ولا يعنيها العرض تحت وهج الشمس وسياط البرد. أما مشاريع عطرية أو حمّاص أو خضار.. فقد حطّمها ظهور الاحتكارات التجارية العملاقة التي تبيع كل شيء في فضاء واحد، رغم أنّك تجد أشلاءها تقاوم في كلّ حي وحومة. وأي مشروع جديد على كلّ ما تقدم، يفكر الإنسان في إحداثه، لا يعني سوى الغوص في المزيد من أوحال الفشل.

ولا شيء يدل على بؤس الحال أوضح ممّا سرده لي هازلا.. باعثٌ لأحد هذه المشروعات،  لم يلبث أن نفض منه يده سريعا. إذ أقسم لي أنّه منذ اليوم الأول لافتتاح محلّه التّجاري، كان عدد الذين يريدون أن يبيعوه سلعا، ليبيعها بدوره في محله، أكثر من عدد المشترين؛ فهذا جلب له فلفلا أحمر مرحيًا، وآخر عسلا مغشوشا، وثالث رغب في تزويده بالسمن العربي ورابع جلب له قوارير ماء الزهر وخامس زيت الزيتون المخلوط، وسادس عرض عليه تزويده بالحليب والبيض الأحمر. جميعهم يبحثون فيه عن منفذ لتصريف سلعهم، بما فيها منتوجاتهم المنزلية. ويبيعون بحثا عن المال لتغطية حاجيات أخرى، ولا أحد لديه المال ليشتري منه.

هل الحلّ في مشروع تربية أغنام أو أبقار حلوب لمن يعيش في الريف ويملك قطعة أرض؟ لننظر هنا لما تفعله  شركة “بولينا” أو “المزرعة” أو “امبراطور الحلايبية” حمدي المدّب [صاحب شركة دليس]. هؤلاء ليست هناك أدنى امكانية للتعايش معهم، يمسكون السوق ويحتكرون الانتاج والبيع وتجارة الأعلاف بقبضة من حديد تدعمهم رساميل بمستويات خرافية.

وقد يضربون لنا المثل بشخص في أوروبا، يقولون أنّه” بدأ من الصفر ” وكافح حتى صار من كبار الأغنياء ويملك شركات ويشغل عددا كبيرا من العمال. ويحرّضون على اتخاذه قدوة. يعكس هذا المثال تمدّد روح الطمع الفرداني النتنة.. وهو علاوة على هذا كذب في كذب.

 يزعمون أنّ سبب الفقر هو الجهل وسوء التصرف عند الأفراد، ويرفضون الاعتراف بالحقيقة البسيطة التي تقول أنّ هناك بشرا فقراء لأن هناك عدد قليلا من البشر الآخرين افتكّ منهم حقوقهم وصيرّهم في العراء. وأن هناك آلية استحواذية شديدة الخبث والمكر تقف وراء هذا، وليس ” عبقرية” تميز بها بعض الأفراد، أهّلتهم للفوز بكل هذا الاثراء. “عندما يستأثر القلّة بالثروة، يعاني الكثيرون من الجوع”. كلّ من بدأ ” من الصفر ” بدا في الواقع من الواحد.. وهذا الواحد كان والده المتنفّذ أو ثروة عائلته الواسعة.. فمشروعه ذاك لم يكن لدفع غائلة الفقر عنه، أو لتلبية حاجة ملحّة للبشر. بل كان نوعا من إثبات التفوق الفردي، لا يفيد في شيء غير توسيع الفروقات الاجتماعية بين البشر.

ماذا نريد من الدولة ؟

نريدها أن تفهم أنّها هي صانعة الفقر. الفقر في ظل الدولة ليس ظاهرة عابرة ولا مؤقّتة، بل هو التجلّي الأبرز لطبيعة حضورها في المجتمع والنّتاج الشنيع للدّور المنوط بأجهزتها،  في مناخ اقتصادي واجتماعي صنعته تلك الأجهزة، لا يفعل غير  توسيع الهوّة الطبقية وزيادة التفقير والاحتياج. هذا هو التعبير الملائم: ” التفقير المسترسل” الذي يصير وضعا دائما يعيشه البشر ويكيّف عقولهم بمنطقه ويطبع أرواحهم بطابعه، وينتهي بأن نعتبره شيئا طبيعيا لا سبب لدينا لإنكاره أو سبيل لتغييره، تقوم على رعايته السّياسة التّابعة للدولة البورجوازية.

هناك خلط شنيع بين أن نعتبر الدولة تعيش العجز وتعاني من قلّة الحيلة تجاه غطرسة الكارتلات والمونوبولات المالية والتجارية المستحوذة على الريع الاقتصادي، وبين أن نفهم أنّ الدولة هي بالذات الطرف الراعي والممثّل السياسي لتلك المونوبولات والكارتلات. هناك قلّة من المحظوظين الاثرياء، يجرّون ورائهم قطاعا واسعا من الناس المشتغلين عندهم، بأجور تلامس مستوى الكفاف، لكن هناك قطاعات أوسع من الناس لا يجدون شيئا لينفقوه، فلا هم مشتغلون عند الدولة ولا هم أجراء عند الخواص ولا هم قادرون على إقامة المشاريع. مثلهم في هذا كمثل من : ” ألقاه في اليمّ مكتوفا وقال له : اياك اياك ان تبتل بالماء “.. علاوة على أنّ عددا متزايدا من المشتغلين عند الدولة أو الخواص تبدو حالهم ماضية نحو السوء حتى تلامس الاحتياج الصريح. وهؤلاء لا يتحرّجون من إقامة مشاريع إضافية صغيرة لزيادة الدخل.. أغلب أصحاب المحلات التجارية الصغيرة القائمة  حاليا ليسوا شبانا عاطلين ولا فقراء محتاجين.. لا الشاب مستعد لإفناء عمره في وضع ذليل يجسّمه سجن نفسه طوال النهار في الحانوت وانتظار حرفاء قد تقذفهم إليه الصدف. ولا الفقراء قادرون على توفير رساميل كافية لإحداث محلات تجارية ولا ضامنون مطلقا أنّها ستوفر لهم عائدا يعيشون منه.. بل جلّ مقيميها هم إمّا من موظفي الدولة أو المتقاعدين. ممن يبحثون عن ” تفتوفة زايدة” بقيمة 100- 200-250 د في الشهر .. اللي يجيب ربي فيه البركة . المهم ليس هناك خسارة.

عدد الفقراء مهول في تونس. لو اعتمدنا معيارا للفقر يشمل مستوى القدرة على توفير جملة من الحاجيات لا تقتصر على الطعام وحده، بل تشمل  التعهد الدوري للصحة ورعاية الصحة العقلية بشراء الكتب ومطالعتها ومتابعة النشاطات الاجتماعية والثقافية والفنية داخل تونس وخارجها، والترفيه وشراء الملابس الجديدة، فسنجد أغلبية الناس في فقر مدقع. أما لو اعتمدنا توفير الغذاء وحده مقياسا للفقر، فثلث التونسين فقراء، والنصف من هذا الثلث، يعيش فقرا مدقعا وعجزا دائما. مساعدة الـ 200 د للعائلات الفقيرة ليست مساعدة ” ظرفية ” ولا يجب أن تكون كذلك.. وكفى تعييرا للفقراء بها. بل هي جزء من حق ضائع منهم تعطيهم الدولة منه الفتات ليسكتوا. هي حاليا لا تعدّ أكثر من رشوة ليواصل الفقراء تواطئهم مع السياسات البورجوازية.

لكن لا يجب أن يسكتوا. ولا أن يقبلوا بالمساومة في هذا الحق.. المعركة يجب أن تكون على جبهتين:  المطالبة بمضاعفة المنحة لتصل إلى 500 د مع مضاعفة المساعدات المناسباتية. والفضح الذي لا هوادة له لسياسات الدولة المتحيّزة بشكل مطلق لمصالح البورجوازيين.. وضرب رفاهية هؤلاء البورجوازيين في مقتل، عبر مضاعفة الأداء لمعدّل يفقأ فقاعة استكراشهم. لو أردنا مثلا تعديل الأمور قليلا، في اتجاه انتاج وضع اجتماعي محتمل، لكان يتعيّن على كل من يريد شراء سيارة رباعية الدفع.. ثمنها مائة وخمسون مليونا، أو إقامة عمارة ثمنها مليارا، وما أكثرهم وما أكثر أموالهم.. التي يضيع الانسان في محاولة تقصّي مصادرها.. عليه دفع أداء جبائي يعادل ثمنها.. وأداء سنوي عليها يعادل نصفه.. ماذا تفعل في شوارع المدن رباعيات الدفع التي تكاثرت هذه السنوات الأخيرة بشكل أنتج مفارقة شديدة الغرابة، بين حضور الفقر المدقع والثراء الفاحش في نفس الفضاء الديموغرافي؟

 لكن المثير للسخرية هنا.. هو أن الجهة التي يفترض بها فرض كذا اجراءات على الأثرياء، وهي الدولة، ليست سوى مجموعة الأجهزة التي تخدم الهيمنة البرجوازية ذاتها وتحميها بالآليات القانونية، ومطالبتها بضرب تلك الهيمنة وانهاءها، ليس سوى المطالبة بإنهاء هيمنة الدولة نفسها على البشر وتجريدها من امتيازاتها السلطوية، وسيكون من نافلة القول هنا أن نضيف أن الذي يملك مالا ليقيم عمارة من أربعة طوابق ويقوم بكرائها لمن لا يملكون منازل بأسعار شيطانية، هو رأسمالي ظلّ طريقه وخان القانون الاساسي للرأسمالية.. تدوير المال في بعث المشاريع المشغلة والمقلّصة لمعدل الفقر.. ذلك كان مبدأ الرأسمالية الـ so called [المزعوم]  نبيل الذي بشّر به صاحب كتاب ثروة الأمم: اطلاق يد السوق على مداها، ومد الثّروة لتشمل أكبر قطاع  ممكن من البشر، وترك الجميع يعملون ويمرّون. لكنه النبل الذي أفضى بالبشرية للجحيم الحالي، جحيم الاحتكار وتحوّل المشتغلين لعبيد عند صاحب الرّصيد الأوفر من المال. واشتعال روح التنافس الفردي الذي مبدؤه  قائم على اسقاط من لم يسعفه الجهد ليُداس تحت الأقدام دون رحمة، ودفع الجموع الغفيرة نحو الهامش الاجتماعي لأنهم غير قادرين على المنافسة، فيصيرون ليس فحسب طبقة فقيرة بشكل دائم. بل مهمّشين مقصيّين عن أيّ فعل ومشاركة في العمل والحياة. إنه النظام المُنتج لا للفقر فقط، بل لليأس من الحياة كلّها.

مقالات ذات صلة

  • حتى لا يسقُط البلد بعد الجدار…

    اهتزّت تونس في الأيام الأخيرة لوفاة التلاميذ الثلاثة إثر سقوط جدار معهدهم المتصدّع بالمزوّنة. رحم الله عبد القادر الذهبي وحمودة…

    بلا حياد

    Ghassen mazounna final
  • في تاريخ ثروة بريطانيا 1: الحقبة المركنتيلية

    كتب النص حول بريطانيا كفصل أول من سلسة «في تاريخ ثروة الأمم». نظرا لطوله سينشر على عدة أجزاء حسب العناوين…

    اقتصاد سياسي

  • عمّ علي: سطر ضائع في كتاب الحياة

    يُعتبر عمّ علي (84 عاما) واحدا من أقدم بائعي الخضر في "مرشي طريق حفوز"، القائم في الضاحية الغربية لمدينة القيروان.…

    بلا حياد

    blank
  • افتتاحية | 2024: سنة احتضار السياسة

    اعتدنا الكتابة والتّعليق على مستجدّات السّياسة في معناها العام والواسع. ومع انتهاء هذا العام، نجد أنفسنا نكتب عن غيابها أو…

    افتتاحيّة

    blank