أصدرت مجموعة من الحركات الشعبية المناضلة بمنطقة شمال أفريقيا والشرق الأوسط/المنطقة العربية بيانًا طالبت فيه بإلغاء الديون وإسقاط إتفاقيات التبادل الحرّ . وذلك من أجل مواجهة التداعيات الإجتماعية المنتظرة على شعوب المنطقة جراء إنتشار جائحة كورونا.
إذ طالبت الحركات والشبكات الموقعة “بوقف أحادي وسيادي لخلاص الديون العمومية” وإلغاء سداد القروض الصغرى الخاصة بالفئات الشعبية، وصغار المنتجين والفلاحين. وكذلك بإلغاء إتفاقيات التبادل الحرّ، بما فيها ما يعرف بإتفاقية “الأليكا” بنسبة لتونس والمغرب.
كما دعى أصحاب المبادرة إلى تشكيل لجنة شعبية واسعة للتدقيق في مديونية دول المنطقة، والعمل على ” عقد منتدى بعد إنتهاء الجائحة لتعميق النقاش وتبادل الخبرات من أجل توسيع النضال ضد المديونية والإتفاقيات”.
ونجد من بين الموقعين من تونس جمعية الورشة الإعلامية للحقوق الإقتصادية والإجتماعية المشرفة على موقع إنحياز، والمرصد التونسي للإقتصاد، وجمعية المليون ريفيّة، وجمعية نحو فلاحة سيادية، وحملة “ماتسالوناش”.
لائحة التوقيعات هنا
وفي مايلي نص العريضة :
نداء الشعوب والمنظمات والحركات والشبكات المناضلة بمنطقة شمال افريقيا والشرق الأوسط/المنطقة العربية من أجل الغاء المديونية واسقاط اتفاقيات التبادل الحر
لمواجهة تفشي جائحة كورونا وعواقبها الجسيمة:
ضرورة إحداث قطيعة مع أدوات الهيمنة الامبريالية على شعوبنا: المديونية واتفاقيات “التبادل الحر”
تعاني شعوب منطقة شمال افريقيا والشرق الأوسط/المنطقة العربية محنة كبيرة في ظل الأزمة الصحية العالمية التي نتجت عن جائحة فيروس كورونا. هذه الأخيرة كشفت عمق الدمار الذي سببته الرأسمالية للبشر والطبيعة. وتحاول الطبقات المهيمِنة ضمان تحقيق الأرباح للمقاولات والمصارف الكبرى على حساب الطبقة العاملة (بمفهومها الواسع) وصغار المنتجين. ويوجد هؤلاء في الصفوف الأمامية لتحريك عجلة الإنتاج مخاطرين بحياتهم في أبشع شروط الاستغلال. وتزيد ضرورات الحجر الصحي من معاناتهم في ظل قطاع صحي عمومي دمرته السياسات النيوليبرالية. وحيث تتحمل النساء بشكل خاص أعباء هذه الوضعية الاستثنائية سواء بـأماكن العمل أو بــالمنازل.
تراكمت طيلة أزيد من أربعين سنة تجارب النضال الشعبي ضد سياسات الاستعمار الجديد والتبعية والتبادل غير المتكافئ التي فرضت علينا من قبل مراكز القرار الامبريالية، وبتواطؤ الحكومات والأنظمة السياسية القائمة ببلداننا. وقد انفجرت على شكل سيرورة ثورية عارمة بدأ طورها الأول مع الثورة في تونس؛ مصر؛ اليمن؛ ليبيا وسوريا (نهاية 2010- بداية 2011)، وطورها الثاني مع الثورة في السودان؛ الجزائر؛ لبنان والعراق (نهاية 2018 – بداية 2019)، إذ عبرت الجماهير في الشوارع والميادين عن إرادتها بالانعتاق من الظلم والاستبداد، وطالبت بالحرية والعدالة الاجتماعية.
إننا نحن المنظمات والحركات وشبكات النضال الممثلة لمختلف الشرائح الكادحة من عاملات، عمال، نساء، شباب، قوميات وأقليات مضطهدة، نتشبث بمطالب هذه السيرورة الثورية ونسعى جاهدين لتحقيقها. ولن نسمح باستغلال جائحة كورونا لترسيخ الثورة المضادة والقضاء على تطلعاتنا الديمقراطية، كما أننا لن نقبل باستمرار الخيارات النيوليبرالية التقشفية التي تعمم الفقر والبطالة وترسي إطارا عاما من اللامساواة الاجتماعية. أكثر من أي وقت مضى، وبصورة ملحة جدا، تطرح علينا ضرورة تكثيف التعاون والتفكير الجماعي لوضع أسس مجتمع الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية الذي طالبت به الشعوب في الشوارع والميادين بمختلف بلدان منطقتنا.
لنتعبأ من أجل إلغاء الديون العمومية
تشكل المديونية العمومية نظام نهب لثرواتنا وإخضاع شعوبنا للنظام الإمبريالي العالمي. فخدمات الدين تمتص سنويا أضعاف الميزانيات الاجتماعية ببلداننا، فيما يتضاءل بصورة كبيرة جدا الانفاق الصحي العمومي عن المستويات الدنيا التي حددتها المنظمة العالمية للصحة. فلا بد من وقف تسديد الديون العمومية لتوفير السيولة المالية الضرورية لمواجهة تفشي وباء كورونا والتصدي للأزمة الاجتماعية والاقتصادية التي سيعمّقها. كما وجب وقف جميع أشكال خصخصة الخدمات العمومية، ومنح الأولوية لتطوير قطاع صحي عمومي، وتطوير أنظمة رعاية صحية وطبية مجانية وجيدة.
كان دائما مطلب إلغاء الديون الخارجية ضمن المطالب الشعبية بمنطقتنا منذ أزمة الديون وسياسات التقويم (التعديل) الهيكلي التي استتبعتها في بداية الثمانينيات. وقد نُظِمت بتونس ومصر حملات للمطالبة بإلغاء الديون الكريهة للديكتاتورين اللذين أطاحت بهما الثورة. وبرزت مبادرات في الحراك الشعبي اللبناني الأخير تطالب بوقف تسديد الديون وسنّ برنامج إصلاحات تهم الحماية الاجتماعية والغذائية والصحية للسكان. وفي سياق أزمة كورونا على المستوى العالمي، ارتفعت الدعوات لوقف تسديد الديون العمومية لبلدان الجنوب.
وجب إذن مواصلة التعبئة على مستوى منطقتنا لفرض وقف أحادي وسيادي لسداد الديون ببلداننا التي تهددها كارثة إنسانية في ظل غياب شروط مواجهة تفشي وباء كورونا. كما وجب إرساء رقابة شعبية على الأموال التي سيحررها وقف السداد، والتي يجب أن تصرف أولا في توفير حاجيات الصحة ودعم الفئات الشعبية المتضررة من أزمة كورونا. يجب أن يقرن وقف السداد بوضع آليات لتدقيق الديون العمومية تمكن غالبية المواطنين والمواطنات من الانخراط في تحديد الأقسام غير المشروعة والكريهة وغير القانونية من هذه الديون، والتي وجب إلغاؤها والتبرؤ منها بشكل نهائي، وتخصيص هذه الموارد لتنفيذ إجراءات اقتصادية واجتماعية وبيئية تستمد أسسها من الحاجيات الأساسية للطبقة العاملة وصغار المنتجين والفئات المهمشة عموما.
إن إلغاء الديون العمومية سيؤدي حتما الى ضرورة القطيعة مع البنك العالمي وصندوق النقد الدولي. فقد ساندت هاتان المؤسستان الأنظمة الديكتاتورية في منطقتنا، واصطفتا الى جانب القوى الامبريالية الكبرى والدولة الصهيونية في فلسطين المُحتلَّة لكبح السيرورة الثورية، وواصلتا تعميق المديونية وتكييف اقتصاداتنا لخدمة الشركات متعددة الجنسيات وكبار المضاربين الماليين عالميا. فانعتاق شعوبنا من نير الاستبداد لن يكتمل دون إحداث هذه القطيعة مع مراكز القرار الامبريالي.
والديون الخاصة غير الشرعية
يتم تسديد الديون العمومية على حساب الأوضاع الاجتماعية المتدهورة لغالبية الشرائح العمالية والشعبية ودخلها السنوي المنخفض. وهذا ما يدفعها بدورها الى الاستدانة من البنوك ومؤسسات قروض السكن والاستهلاك والقروض الصغرى بمعدلات فائدة مرتفعة. وفي سياق الأزمة الاقتصادية التي فاقمها تفشي جائحة كورونا، سترتفع معدلات البطالة وستزداد صعوبات هذه الفئات في تغطية نفقات العيش والصحة والتعليم. كما ستحتدّ مديونية صغار المنتجين وعلى رأسهم الفلاحين الكادحين الذين يعيشون سيرورة افقار حادة ويهددهم خطر الاندثار. ومن هنا ضرورة المطالبة بوقف سداد مختلف هذه الديون، وتنظيم حملة شعبية للتحقيق في جميع أشكال النهب والشروط المجحفة التي تفرضها مؤسسات القطاع المالي على الضحايا، والتدقيق في الأسس غير الشرعية وغير القانونية التي تستوجب ضرورة الغاء هذه القروض.
تأميم/تشريك القطاع المصرفي
لدعم أولويات اجتماعية وبيئية، وعوض قروض بفوائد تنمّي أرباح الرأسمال المالي، وجب إرساء نظام اقتراض عمومي بدون فائدة. وهذا ما يفترض بدوره تشريك القطاع المصرفي، أي مصادرة دون أي تعويض لكبار المساهمين في المصارف، وربطه بالقطاع العمومي تحت رقابة شعبية. فالتشريك يكتسي مضمونا أكثر جذرية من مطلب التأميم الذي قد يقتصر على شراء الدولة لأسهم الرأسماليين الكبار وبأثمان باهظة. إنه المضمون نفسه الذي طرح بقوة في الحراك الشعبي اللبناني الأخير لما طالبت مجموعات نشطة بسقوط حكم المصارف، وسقوط الأوليغارشية الحاكمة، وإدانة المسؤولين الفاسدين، وبناء اقتصاد قائم على العدالة الاجتماعية.
إلغاء اتفاقيات “التبادل الحر” وضمنها اتفاق التبادل الحر الشامل والمعمق
اتفاقات “التبادل الحر” هي اتفاقات استعمارية جديدة فُرِضت على شعوبنا. فقد عمّقت التبعية والعجز التجاري، وزادت ارتهان غذائنا أساسا بالواردات من أسواق المضاربة العالمية، ودمرت الأنشطة الإنتاجية والزراعات المعيشية وفرص الشغل القار. كما عممت سطوة الشركات متعددة الجنسيات وقسم من الرأسمال المحلي الكبير على مجالات الاقتصاد المربحة، وعلى الخدمات العمومية، وضمنها الصحة والأدوية، ويسرت حماية حقوقها عبر قوانين الملكية الفكرية وبراءة الاختراع.
ويشمل ما يسمى بالجيل الجديد لاتفاقيات التبادل الحر جميع المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية وغيرها، كما هو شأن اتفاق التبادل الحر الشامل والمعمق (ALECA) الذي يهم المغرب؛ وكذا تونس التي لا تزال التعبئة متواصلة فيها لمنع توقيعه الوشيك. هكذا إذن تشكل اتفاقات “التبادل الحر” الى جانب المديونية العمومية أداتَيْ الهيمنة الامبريالية على بلداننا. فلا بد من إلغائها وإرساء بدائل تعاون تجاري تستجيب لحاجيات الشعوب ومبنية على المساواة والعدالة والتكامل، وإعطاء الأولوية للقنوات الصغيرة للتبادل في الشمال والجنوب، وتدعيم العلاقات المباشرة بين المنتجين والمستهلكين.
وتحقيق ذلك يستدعي بناء اقتصاد صناعي محلي مستقل ومتمحور حول السيادة الغذائية، ومرتكز على الديمقراطية والتضامن. ومن هنا ضرورة توسيع القطيعة مع مؤسسات الرأسمال العالمي لتشمل أيضا منظمة التجارة العالمية.
خلاصة :
نحن الموقّعون والموقّعات أسفله، وتدعيما لمكاسب الانتفاضات الشعبية في منطقتنا من أجل الديمقراطية والحرية والعدالة الاجتماعية، نطالب بـــ:
– وقف أُحادي وسيادي لسداد الديون العمومية وتخصيص الأموال للصحة العمومية ودعم الفئات الشعبية المتضررة من أزمة كورونا،
– تدقيق مواطني للديون العمومية لتحديد أقسامها غير المشروعة والكريهة وغير القانونية وفرض إلغائها،
– وقف تسديد الديون الخاصة للأسر الشعبية وصغار المنتجين والفلاحين الصغار والأجراء إزاء المصارف ومؤسسات قروض السكن والاستهلاك والقروض الصغرى
– اجراء تدقيق بشأن جميع أشكال النهب والشروط المجحفة التي تفرضها مؤسسات القطاع المالي في عقود القروض الخاصة، وإبراز الأسس غير الشرعية وغير القانونية من أجل إلغائها
– إلغاء اتفاقيات “التبادل الحر” واتفاق التبادل الحر الشامل والمعمق بالنسبة لتونس والمغرب
– إحداث قطيعة مع ثالوث الرأسمال العالمي: البنك العالمي وصندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية.
كما ندعو إلى:
– تشكيل لجنة شعبية واسعة لتدقيق مديونية بلداننا على المستوى الإقليمي تضم جميع شرائح المجتمع من جمعيات ونقابات وشبكات وأحزاب تقدمية وشباب ونساء وعاطلين، إلخ.
– مساندة حملة رفض اتفاق التبادل الحر الشامل والمعمق (الأليكا) في تونس، وإعطاؤُها بعدا اقليميا
– تنظيم حملة منظمة، موحدة في الزمان والأهداف على المستوى الاقليمي، للتشهير بالمضمون الاستعماري لاتفاقيات التبادل الحر ونهب ثروات شعوبنا عبر آليات المديونية
– عقد منتدى شعبي بعد انتهاء أزمة فيروس كورونا في المنطقة العربية/ شمال افريقيا والشرق الأوسط لتعميق النقاش وتبادل الخبرات من أجل توسيع النضال ضد المديونية واتفاقيات التبادل الحر.