في تاريخ ثروة بريطانيا 1: الحقبة المركنتيلية

26/03/2025

كتب النص حول بريطانيا كفصل أول من سلسة «في تاريخ ثروة الأمم». نظرا لطوله سينشر على عدة أجزاء حسب العناوين التي يحتويها والتي تقسمه إلى حقبات تاريخية.

ينبغي أن نلوم أنفسنا جدًا إذا قصرنا […] في توسيع تجارتنا، التي تعتمد عليها بشكل رئيسي ثروة وعظمة هذه الأمة. من الجلي جدًا أن لا شيء يسهم بشكل أكبر في تحقيق مثل هذه الفائدة العامة من جعل تصدير منتجاتنا الصناعية واستيراد السلع المستخدمة في تصنيعها ممكنًا وسهلاً قدر الإمكان؛ بهذه الوسيلة، يمكن الحفاظ على الميزان التجاري لصالحنا، ويمكن زيادة إبحارنا وتوظيف عدد أكبر من فقراءنا.
960px robert walpole, 1st earl of orford by arthur pond
روبرت والبول
أول وزير أول للملكة المتحدة 1721
من خلال حصر استيراد السلع التي يمكن إنتاجها في الداخل من البلدان الأجنبية، سواء عن طريق فرض رسوم عالية أو عن طريق حظرها تمامًا، سيتم تأمين احتكار السوق المحلية، أكثر أو أقل، للصناعة المحلية المشتغلة في إنتاجها. بالتالي، يؤمن حظر استيراد الماشية الحية أو المواد المملحة من البلدان الأجنبية لمربي بريطانيا الكبرى احتكارا للسوق المحلية للحوم الجزارين. الرسوم العالية على استيراد الحب، التي في فترات الوفرة المعتدلة تعادل حظرًا، تمنح نفس الميزة لزارعي هذه السلع. منع استيراد الصوف الأجنبي يعد مفيدًا بنفس القدر لصناعة الصوف المحلية. صناعة الحرير، على الرغم من أنها تعتمد بشكل كامل على المواد الأجنبية، حصلت مؤخرًا على نفس الميزة. لم تتحصل صناعة الكتان على ذلك بعد، ولكنها تحقق تقدمًا كبيرًا في هذا الصدد. قد حصلت العديد من أنواع الصناعات الأخرى، بنفس الطريقة، في بريطانيا الكبرى، إما بشكل كامل أو قريب جدا، على احتكار ضد مواطنيها. تفوق المجموعة المتنوعة من السلع التي يُحظَر استيرادها إلى بريطانيا الكبرى، سواءً كان ذلك بشكل كلي أو في ظروف معينة، بكثير ما يمكن أن يظن بسهولة أولئك الذين ليسوا على دراية جيدة بقوانين الجمارك. أن هذا الاحتكار للسوق المحلية يوفر تشجيعًا كبيرًا لذلك النوع الخاص من الصناعة التي تتمتع به، ويحوّل في كثير من الأحيان لتلك الوظيفة نصيبًا أكبر من العمل ومخزون المجتمع مما كان سيتجه إليه في حالة عدم وجود الاحتكار، لا يمكن الشك فيه.
37.adam smith
آدم سميث
ثروة الأمم، 1776
أَنْظُر حولي وأفكر في نزاعات القرن السابع عشر: مازلنا نقف أمام نخبة واهنة متكبرة تحتكر السلطة وتمتص دماء بقيتنا كالعلقة الطفيلية […] أظن أن كثيرا من المشاكل بدأت تظهر – ويوجعني أن أقول هذا لأنني ثاتشاري غيور – في السنوات 1980. الكثير مما حصل كان شيء جيدا للغاية بمعنى كونه تقدم بالسوق الحر، لكن جزء سيئا مما خلقنا، مفترضين أنه سيكون السوق الحر اتضح أنه أي شيء إلا ذلك […] إنها شركات كبيرة وحكومة كبيرة تلتقي معا وتقطع شريحة كبيرة من الكعكة الاقتصادية لصالحها.
1280px douglas carswell, may 2009
دوڨلاس كارسوال
نائب عن المحافظين، 2014

دخلت الجزر البريطانية القرون الأخيرة من الإقطاع كمجموعة بلدان ضعيفة اقتصاديا مقارنة بفرنسا والبلدان السفلى (هولندا وجزء من بلجيكا اليوم). بعد أن كانت بريطانيا مصدرة للصوف الخام والملابس الصوفية منخفضة الجودة، وموردة لملابس أكثر جودة ولمختلف التكنولوجيات، قام الملك إيدوارد الثالث الذي حكم خلال القرن 14 والذي كان لا يلبس إلا صوفا إنجليزيا، بمنع توريد الملابس الصوفية، وتشجيع هجرة الخياطين الفلمنديين (من مقاطعة فلمندا في بلجيكيا اليوم). في نهاية القرن 15 ثم النصف الثاني من القرن 16 ذهب حكام إنجلترا حتى إلى منع تصدير الصوف خاما. تسبب ذلك في انهيار صناعة الصوف في البلدان السفلى التي كانت تحتاج للصوف الخام البريطاني للاشتغال [شانغ][1]. لم تكن الثورة الصناعية (التي انطلقت في نسيج القطن) ممكنة دون هذا التأسيس والتثبيت الأوليين لقطاع النسيج. كما لا يمكن أيضا ربط الشيئين بسهولة. على كل حال مازالت بريطانيا في تلك الحقبة لم تدخل الحداثة الرأسمالية. مرت خلال القرن 17 بصراعات اجتماعية وسياسية غيرت وجه البلاد ومؤسساتها السياسية. سينطلق هذا النص إذن من القرن 18 أي من الفترة التي سبقت مباشرة الثورة الصناعية وسيهتم بالبنى الاقتصادية والسياسية التي حدثت في إطارها ثم بتطوراتها إلى اليوم.

تتميز الفترة الممتدة من أواخر القرن 17 إلى أول القرن 19 في بريطانيا بمشاركتها بصفة شبه مستمرة ومهمة في حروب أوروبية كبيرة. ذلك على عكس الفترة السابقة حيث بقيت خارج الصراعات الكبرى بين إسبانيا وفرنسا وجمهوريات هولندا. كانت الأخيرة تشكّل أهم قوة بحرية وتجارية ومالية آن ذاك. ورغم تطور بحريتها عبر الزمن لم تكن بريطانيا تُعتبر أو تعتبر نفسها قوة بنفس مستوى هذه الدول المتصارعة. في أواخر القرن 17، وبعد الثورة الثانية (“الثورة المجيدة”) دخلت في تحالف واسع بهدف الحد من توسع لويس 14 ملك فرنسا. يعود ذلك إلى عدم اعترافه بالنظام والملك الجديدين ومساندته للملك الكاثوليكي جايمس الثاني. منذ ذلك الحين إلى حد انتصارها على نابوليون في 5181، صارت الحرب هي الحالة الطبيعية للدولة البريطانية والسلم الاستثناء أو بالأحرى استراحة لتنظيم البيت الداخلي (ماليا بالخصوص) والاستعداد للحرب الموالية. يلخص أحد أعضاء البرلمان ذلك بقوله بين سنتي 34 و35 من القرن 18: “كلنا نعرف، أن ما يجعل أمة عظيمة الآن، ليس عدد ولا ثروة ساكنيها بل عدد سفنها البحرية المجهزة ببحارة أكفاء وعدد الفرق [العسكرية] القارة المنضبطة جيدا الخاضعة لأوامرهم”.

نتيجة أنشطتها العسكرية صارت الدولة أكبر فاعل اقتصادي محلي: أكبر مقترض وأكبر منفق وأكبر مشغّل. ارتفع إنفاقها على الحروب ومعه، لمساندته، حجم جهازها المدني خاصة لجمع الضرائب مع ارتفاع المديونية. نمت مداخيل الضرائب بأكثر سرعة من الناتج القومي الخام (ن.ق.خ). ارتفع معدل الضريبة على الفرد من 16٪ في 1700 إلى 24٪ في 1800 ثم إلى 36٪ من 1803 إلى 1812 [ناي]. “في الواقع […] وطيلة القرن الثامن عشر ارتفعت أثقال الجباية وموّل مال – وأملاك – الرعايا منقوصي التمثيل المشروع الإمبراطوري-المركنتيلي للنخب مالكة الأرض والمالية والتجارية زائدة التمثيل” [هاريس]. كانت مصانع السفن التي تملكها البحرية أكبر وحدات صناعية مدنية في البلاد بالنظر لرأس المال والتشغيل. ذهب خلال القرن 18 بين 75 و85٪ من الإنفاق السنوي للدولة إما في مصاريف مباشرة على الجيش والبحرية والعتاد الحربي أو في خدمة الدين الذي تم إنفاقه على حروب سابقة. يصف على هذا الأساس المؤرخ جون بروار الدولة الإنقليزية في هذه الحقبة بـ “الدولة الجبائية-العسكرية” [بروار]. “التجارة مثل الإنتاج لم تكن تُرى ببساط كوسيلة لزيادة ثروة أفراد الوطن بل مندمجة في إدارة الدولة وتوسيع قوة الدولة. في أعين السلطات كانت التجارة تصنع الدولة وكان على الدولة أن تملي شروط التجارة” [ناي].

في الفترة الأولى من النظام الجديد (أواخر القرن 17 إلى أوائل القرن 18) كان البرلمان متخوفا ورافضا للدخول في منظومة دين عمومي طويل الأمد خشية من هيمنة “مصلحة المالية”[2] على الحكومة خصوصا أن البرلمان كان تحت هيمنة “مصلحة أصحاب الأرض” (ملاك الأراضي). إن هذا التعامل الواضح مع وجود مصالح خصوصية كشيء طبيعي في مجتمع القرن 18 الإنقليزي عند الملاحظين المعاصرين له والمؤرخين، بخلاف تسهيله مأمورية الكاتب، ملفت للنظر مقارنة بالتعامل الانفعالي مع هذه الظواهر البديهية في المجتمعات المعاصرة التي تسود فيها مثاليات المواطنة.

كانت مصلحة أصحاب الأرض تعتبر أن “أصحاب المال” يضيقون عليها بتشجيعهم على الاستثمار في سندات قروض الدولة والاحتكارات التجارية المرتبطة بها بدل الأراضي وأنهم يفضلون إقراض الدولة (شراء سندات الخزينة) بدل مالكي الأراضي (بقبول أراضيهم كضمان للقروض). كانت المصالح التجارية والصناعية أيضا ترى مصلحة المالية بنفس الشكل. كان أعداؤها يتهمونها زيادة على ذلك بدفع الدولة إلى الحروب لمزيد إغراقها في الديون والهيمنة عليها. ديون ستسددها بضرائب تدفعها بقية الطبقات. كان الماليون بالإضافة إلى شرائهم السندات يتوسطون للدولة في ترويجها باستعمال علاقاتهم وسمعتهم. كما كانوا ينوبونها في إبرام عقود تزويد الجيوش في المستعمرات ومناطق الحرب بالإضافة إلى توفير رواتب الجنود. لم تكن مختلف هذه الوظائف في معزل عن بعضها، إذ يُلاحَظُ أن أغلب مزودي الدولة موجودون في قائمة أهم المقرضين (مشتري السندات) لكل قرض مهم تطلبه الحكومة خلال القرن 18. من أصل 22 مكتتب لسندات خزينة (Underwriter)[3] في سنة 1759 ساهم سبع من مزودي الدولة بثلاث ملايين £ من ثمانية. من جملة 46 مزود متعاقد اشتغلوا مع الدولة خلال الحرب الأمريكية كان 14 منهم بعلاقة مع شركات بنكية (وبالتالي علاقة غير مباشرة بحصص حكومية) وأقرض 13 آخرون الحكومة 350 ألف £. كان كبار الماليين مرتبطين ببنك انقلترا أو بالاحتكارات التجارية التي تحدثها الحكومة مثل شركة الهند الشرقية. قبل إصلاحات الوزير الأول بيت الأصغر في ثمانينات القرن، كان دخول البرلمان ومساندة الحكومة منه أحد السبل للتوسط في سندات الخزينة أو للحصول على عقد تزويد مربح. يمكن القول باختصار أن هذه الدولة كانت تكافئ مقرضيها بعقود تزويد وأن أصحاب المال كانوا مستعدين لتمويلها مقابل عقود تزويد. يمكن الحديث هنا عن مؤسسة تبادل مصالح بين مصلحة المالية والدولة [بروار].

بهذه الكيفية ساهمت إذن الحرب والدولة العسكرية في تطوير القطاعات المرتبطة بها: “كانت الحرب بالتأكيد أكبر مستهلك للحديد، وشركات مثل ويلكينسون والوالكارس والكارون وركس تدين بحجم مشاريعها جزئيا لعقود الحكومة للمدفعيات […] كانت بصفة عامة عقود الحكومة أو الأجسام شبه الحكومية الهائلة مثل شركة الهند الشرقية تأتي في شكل كتل ضخمة وكان يتوجب تلبيتها في الوقت. كانت جديرة بأن يُدخِل رجل الأعمال تقنيات ثورية لتلبيتها. نجد مرار وتكرارا أحد المبتكرين أو باعثي المشاريع متحفزا بفرصة مربحة كهذه. انطلق هنري كورت الذي ثوَّر صناعة الحديد في السنوات 1760 كعون للبحرية، تواق لتحسين جودة المنتوج البريطاني ‘في علاقة بتزويد الحديد للبحرية’. بدأ هنري مودسلي، رائد الآلات الصناعية، مسيرته المهنية في مخزن أسلحة ولويتش وبقيت ثرواته (مثله مثل المهندس الكبير مارك اسمبارد برونال، من البحرية الفرنسية سابقا) مرتبطة بشكل وثيق بعقود البحرية” [هوبسباوم].

كان البرلمان أيضا في نفس الفترة حذرا وشديد البخل في تمويل الجهاز الحكومي وخصوصا في التصويت على قروض لتمويل حروب. إذ اعتبر نمو حجم الجهاز الحكومي وخاصة الحروب مدخلين لتغول الملك والعودة إلى المَلَكية المطلقة. لكن أمام “الخطر الكاثوليكي” بقيادة فرنسا وجد نفسه مضطرا لتمويل حرب التسع سنوات. وقع في هذه الفترة جزء كبير من مصاريف الحرب وتسديد ديونها على كاهل ملاك الأراضي في شكل ضريبة على الأرض. حوّل هؤلاء في الواقع جزء مهما من الأعباء الضريبية إلى كرّاء أراضيهم وعمالهم في شكل ارتفاع في سعر كراء الأراضي. مع تتالي الحروب ونمو الدين العمومي صاروا يرفضون أكثر فأكثر توفير الجزء الأكبر من مداخيل الدولة فبدؤوا بالقبول بامتداد الاقتطاع (Excise). يتمثل الأخير في ضريبة تقتطعها الحكومة من المنتجين والموزعين. يمررها الأخيرون عادة (كليا أو جزئيا) للمستهلكين في شكل ارتفاع في السعر. تُعتبَر بالتالي ضريبة غير مباشرة على المستهلكين وهي أشبه بما نعرفه اليوم بالضريبة على القيمة المضافة لكنها تحتسب على الوزن أو الحجم أو غيرها من القيم الفيزيائية لا على القيمة النقدية. كان إقرار اقتطاعات وامتدادها يعني تحقيق حكومة الملك استقلالية مالية عن البرلمان وتهديدا لسلطة الأخير.

رغم رغبة الحكومة في إقرار اقتطاع شامل أو شبه شامل، كان البرلمان يصوت فقط على اقتطاعات على منتوجات معينة على أساس حاجيات الحكومة للتمويل [بروار]. من وجهة النظر التي تهم هذا النص يعني ذلك تشويشا للسوق وأسعاره (“الحقيقية”) أي أن أسعار المنتجات الخاضعة لاقتطاعات أعلى سترتفع مقارنة بتلك الخاضعة لاقتطاعات أدنى وبغير الخاضعة لها. بلغة أخرى، يحقق منتجو ومستهلكو المنتجات المعفية من الاقتطاعات (أو منخفضة الاقتطاع) رويعا على حساب منتجي ومستهلكي المواد الخاضعة لاقتطاعات (أعلى). كما كان خلاص الاقتطاع قبل بيع المنتوجات يرفع قيمة رأس المال الضروري للاستثمار في الأنشطة الخاضعة له، ما يمثل حاجزا لدخولها. مهما كانت النوايا والأسباب (وجزء منها سياسي ومالي كما تبين) هذه هي على كل حال النتيجة الاقتصادية النهائية من وجهة نظر ليبرالية أو نيوكلاسيكية. إذ لا يمكن تفسير وجود “ريوع” أو امتيازات دائما بوجود نية سياسية واعية ومباشرة لخلقها. لكن مزيد البحث يكشف الطبيعة “الريعية” للمنظومة السياسية نفسها.

   معدل العائدات السنوية 1788-92 (بآلاف الباوند £)نوع الضريبةالنسبة المئوية لتوزيع الضرائب
مفصلةإجمالية
الضرائب المباشرة    
الأراضي والنوافذ وما إلى ذلك.3388مباشرة21.2%
الغذاء
الشاي583ديوانة3.6%
الملح999ديوانة6.3%
السكر425اقتطاع2.7%
12.6%
التدفئة والإضاءة والوقود969ديوانة واقتطاع6.1%
مواد البناء648ديوانة واقتطاع4.1%
الملابس والأحذية1010ديوانة واقتطاع6.3%
الصابون والنشا501اقتطاع3.1%
الكحول والتبغ
الجعة1968اقتطاع12.3%
الشعير1838اقتطاع11.5%
الجنجل121اقتطاع0.8%
النبيذ739ديوانة4.6%
المشروبات الروحية الأجنبية990ديوانة6.2%
المشروبات
الروحية المحلية
654اقتطاع4.1%
التبغ607ديوانة3.8%
43.3%
الخدمات التجارية
الصحف وما إلى ذلك533طابع3.3%
المجموع الكلي£15,973  100.0%
جدول 1: أهم الضرائب البريطانية 1788-1792 [ناي]

يجب الإشارة أولا للبديهيات. ينحصر حق الانتخاب للبرلمان الإنقليزي في أصحاب حد أدنى من الأراضي الذين لم يتجاوز عددهم 14٪ من الرجال قبل أن يمر بفضل إصلاح 1832 إلى 18٪! يُجمِع المؤرخون على أن ملّاك الأراضي كانوا يهيمنون على 39 من بين 40 محلية انتخابية (ريفية) عن طريق الرشوة والتأثير والزبونية. في 1832 تمت إعادة تقسيم المقاطعات الانتخابية ما مكّن ممثلين عن البرجوازية الصناعية والتجارية من الصعود للبرلمان. إلى حدود 1914 كان ممثلو “المحليات” (الريفية) في البرلمان أكثر من ممثلي “الأقاليم” (المدن) وإلى حدود 1885 كان مالكو الأراضي يمثلون أغلبية مطلقة في البرلمان. كانت مصلحة أصاحب الأرض تعتبر نفسها الحاكم الشرعي للبلاد كونها تملك جل أراضيها.

كانت رقابة الحكومة المركزية على الحكومات المحلية شبه غائبة وكان بذلك للسيد الملازم (Lord Lieutenant) سلطة واسعة على مستوى محلي. كان يتحكم في مجال واسع من التعيينات التي كانت تتم على أساس الزبونية والارتباطات الشخصية ولا تلعب فيها الكفاءة في الحالات النادرة التي تؤخذ بعين الاعتبار إلا دورا ثانويا. بعد السيد الملازم كان “قضاة السِلْم” الذين يعينونهم أهم الشخصيات المحلية. بالإضافة إلى دورهم القضائي كانوا مسؤولين على إسداء رخص الحانات ومراقبة اشتغال قانون الفقراء حتى بتحديد أجر أدنى متى لزم الأمر. كان السيد الملازم يعيّنهم من أثرى نبلاء القرى المجاورة وأكثرهم تأثيرا وعلاقات. حدد القانون في سنة 1724 من بين شروط الترشح لهذا المنصب ملكية أرض بقيمة سنوية (سعر الكراء) لا تقل عن 100£ (كان المكلف بإدارة أرض وهي وظيفة “سامية” يتقاضى حوالي 4£ سنويا في ذلك الوقت) [إيفانس].

تعني كلمت لوبي بالإنقليزية البهو أو الرواق. ويعود معناها السياسي على بهو أو “لوبي” البرلمان الإنقليزي حيث كان ممثلو مختلف المصالح يأتون لمقابلة أعضائه والتأثير عليهم لتمرير قوانين ولتعديل أخرى في طور النقاش أو للتصويت بنعم أو لا على هذا القانون أو ذاك أو لقراءة عرائضهم إلى غير ذلك. تتعدد هذه اللوبيات وتتنوع وتهتم حتى بعضها بالشؤون الدينية ويُذكَر منها في علاقة بالشأن الاقتصادي: الجمعيات التجارية مثل جمعية تجار فيرجينيا وجمعية تجار الهند الغربية (أمريكا الجنوبية)؛ اللوبيات الاستعمارية؛ اللوبي الإيرلندي (أي اللوبي التجاري الإنقليزي صاحب المصالح في إيرلندا)؛ لوبيات جهوية إنقليزية تمثل عادة مصالح مجمعات مهنية أو تجمعات تجار مثل جمعية تاجر بريستول المغامر؛ لوبيات صناعية مثل جمعية الميدلاند لصناعيي الحديد ولجنة رايدن الغربية لصناعيي الصوف إلى غير ذلك.

لكن التأثير على البرلمان يُعتبَر مرحلة متقدمة أو بالأحرى متأخرة. إذ تتابع اللوبيات يوميا تشكيل سياسات الدولة خلال كل مراحلها لتكون جاهزة للتدخل متى رأت أن مصالحها على المحك. وينطلق ذلك من وزارات الحكومة إلى أن تبلغ مشاريع القوانين البرلمان. يصل ذلك إلى اقتراح هذه اللوبيات نفسها لمشاريع قوانين أو اقتراحها مشاريعا جديدة بدل التي تنوي تمريرها الحكومة. انطلقت مثلا المعاهدة التجارية الإنقليزية-الروسية سنة 1734 بمقترح من شركة روسيا (شركة إنقليزية مختصة في التجارة مع روسيا) تم تنقيحه خلال التنسيق مع مجلس التجارة الحكومي. بالنظر لبطء وصعوبة الاتصالات والتنقل وضعف تطور الجسم البيروقراطي للدولة في تلك الفترة مقارنة بما نعرفه اليوم، يكمن جزء من قوة هذه اللوبيات في امتلاكها لمعلومات تحتاجها الحكومة، يمكنها توظيفها لصالحها أو إخفاؤها.

كانت اللوبيات الأفضل تنظّما والأكثر نجاعة تشتغل على واجهتين: مع الوزارات والإدارات الحكومية من جهة وبفتح نقاشات في البرلمان من ناحية أخرى، إثر قراءة عرائضها من نواب كسبتهم لقضيتها. إذا نجح النواب المساندون لعريضة في إقناع المجلس بأهميتها، يمكن تشكيل لجنة لمزيد دراسة الموضوع. تستمع اللجنة لشهادات (تكون عادة من أصحاب مصلحة) وخبراء. يمثل انعقاد اللجنة إذن فرصة لأصحاب المصلحة أنفسهم للمثول أمام البرلمان.

يمكن أن تتكلف عمليات اللوبيينغ مبالغا مهمة. تكلّف تمرير قانون لصالحهم سنة 1739 للصّاغة 500£. في نفس السنة أنفق الدباغون 2100£ للحصول على قانون أساسي (عارضه صنّاع الأحذية بشدة) يسمح لهم بقطع الجلد قطعا صغيرة. فشل مقطِّرو لندن في معارضتهم لقوانين الدجين (مشروب روحي) في ثلاثينات نفس القرن رغم إنفاقهم ألف £، بينما نجحت لجنة تجار أمريكا الشمالية في معارضتها لقانون الختم منفقة 1500£. جزء صغير (لا يتجاوز 30£ في حال قانون غير خلافي يمر بسلاسة) من هذه المصاريف يُدفع كمعلوم لوضع مشروع قانون في البرلمان. يُصرَف الجزء الأكبر للمستشارين القانونيين والأعوان الذين يسهرون على الضغط والتأثير على السلطات والنواب لتمريره. كان بعض أعضاء البرلمان يشتغلون كأعوان لللوبي الأمريكي ولوبي الهند الغربية[4]. تتناسب طبعا قدرة كل لوبي على التأثير مع مستوى علاقاته في جسم الدولة. سنة 1731 تدخل لورد أڨموند، أحد قياديي اللوبي الإيرلندي لدى الوزير الأول روبرت والبول نفسه لإلغاء المعلوم على توريد الخيوط من إيرلندا. كان قطاع الفضّة في مدينة برمنغهام يعاني من صعوبات بسبب بعد مكاتب الاختبار (الإجباري). قامت سنة 1773 مجموعة من المستثمرين في القطاع بعملية ضغط لتمرير قانون يُحدِث مكتب اختبار في مدينتهم. يكتب قائد هذا اللوبي، الصناعي الكبير ماثيو بولتون (المعروف بشراكته مع المهندس الإسكوتلندي جايمس واط) في رسالة لشريكه: “أخذني لورد دربي معه في مركبته إلى عدة أعضاء وزارات ضاغطا عليهم لخدمتنا”. وبالفعل مرّ القانون وفتح المكتب أبوابه في أوت من نفس السنة.

صار التدخل البرلماني اختصاصا مهنيا. عادة ما يكون عون التدخل، رجل قانون ويتمثل دوره في مهمتين: يحرر مشروع القانون الذي يريده اللوبي ويقوم مع مساعديه بالتدخلات اللازمة للدفع نحو مرور القانون داخل البرلمان. كسب بعض أعوان التدخل شهرة في الميدان. حرر أحد أهمهم روبرت هاربر بين سنتي 1717 و1767 على الأقل 613 نصا قانونيا. كان مختصا في العقارات وقوانين التسييجات (خوصصة الأراضي المشاعة) وكان له شبه احتكار في اختصاصه وعديد الزملاء المختصين في مختلف الميادين الصناعية والتجارية. بالإضافة إلى الأعوان المتدخلين تشغّل اللوبيات أيضا موظفين في البرلمان لتستفيد من درايتهم بالإجراءات وقدرتهم على تحرير النصوص القانونية وولوجهم المباشر والسريع للمعلومة.

كانت بعض المقاهي والحانات مثل أليسز كوفي هاوس (Alice’s Coffee House) وهال كوفي هاوس (Hell Coffee House) وواغورنز (Waghorne’s) حول البرلمان معروفة بكونها أوكار اجتماع لجان اللوبيات. في هذه المحلات كانت تحاك “المخططات والمؤامرات” [بروار]. هناك، يتم تحضير الشهود وتلقينهم قبل أن يمثلوا أمام البرلمان أو إحدى لجانه و”يُستَضاف” أعضاء البرلمان وموظفوه.

يلاحظ بروار تطورا بالغ الأهمية (في علاقة بموضوع النص) في محتوى أو نوعية تدخلات اللوبيات فيكتب: “بحلول السنوات 1780، صارت العلاقات بين مجموعات المصالح الخاصة وأقسام الحكومة مختلفة جذريا مما كانت عليه في الربع الأول من القرن الثامن عشر. بينما كانت اللوبيات في الفترة السابقة غالبا ما تعارض سياسات الحكومة منذ نشأتها، بحلول زمن الحرب الأمريكية، صارت تحثّ الأقسام [الحكومية] على نشاط تشريعي أكبر. حالما صارت مجموعات المصالح الخاصة متشابكة مع النسيج التشريعي للدولة، أدركت الأفضليات العديدة التي يمكن أن تكسبها بالتلاعب بالتشريعات. يمكن تمييز تاريخ اللوبييغ بعد منتصف القرن الثامن عشر بأفضل شكل كصراع بين مصالح متنافسة (بعضها في نفس القطاع) من أجل الحصول على أفضليات اقتصادية عبر التلاعب بالقوانين التعديلية الحكومية والقوانين الأساسية البرلمانية“. ينطبق ذلك مثلا على قطاعات متنفذة مثل صناعة الشموع والصابون والنشاء وتجارة الشاي والحرير.

كان التواجد في البرلمان ومساندة الحكومة منه أيضا من أهم الرافعات للارتقاء في سلم البيروقراطية العسكرية. ليس من الصدفة أن 152 من أصل 374 كولونيلا جلسوا بين 1714 و1763 في البرلمان. هذا دون الحديث عن استثمار أعضاء البرلمان في سندات الخزينة وفي حصص الشركات الاحتكارية الكبيرة التي تحدثها الدولة. لكن الفساد لم يكن منحصرا في البرلمان. رغم وجود امتحانات لضمان حد أدنى من الكفاءة للدخول لإدارة البحرية (وهي الأكثر حرفية) إلا أن التدرج والارتقاء في التراتبية كان يستدعي دفع “عمولة” (نسميها اليوم بالرشوة) وتدخل علاقات سياسية أو عائلية. بنفس الشكل كان تمرير البضائع عبر الديوانة متاهة بيروقراطية مليئة بالوسطاء والرشاوي.

من جهة أخرى كان أيضا رؤساء بعض المصالح يستثمرون الأموال العمومية لربحهم الشخصي في الفترة الفاصلة بين جمعها وإرسالها للإدارة المركزية (خصوصا أن هذه الفترة كانت تصل إلى 18 شهرا في بعض الحالات)[5]. كانت عديد الوظائف العليا معروضة للبيع (نظرا لأهمية المداخيل التي يمكن أن يحققها صاحبها من الرشاوي وتبادل المصالح وغيرهما بالإضافة لمرتبه) أو لـ “نظام الغنائم”. يتمثل الأخير في وضع كل حزب، عند صعوده للسلطة، مواليه في المناصب السانحة للإثراء. كان بعض هؤلاء يقضّون كامل فترتهم في المنصب دون أن يشتغلوا يوما أو أن يعرفوا حتى موضوع شغلهم موكلين إياه لنواب مقابل جزء ضئيل من دخلهم السخي. عندما عمد الوزير الأول جورج قرانفيل لإصلاح مصلحة الديوانة في أمريكا الشمالية سنة 1763، صُدِم أصحاب كبار المناصب من اقتراحه وجوبية حضورهم في مكان عملهم ببوستن أو فيلادلفيا بدل تلقيهم مداخيلهم في راحة بيوتهم بلندن أو قصورهم في إحدى أرياف بريطانيا بينما يقوم أحد أعوانهم بكل العمل. يحقق الموظفون الحاضرون في مكان عملهم طبعا مداخيلا أفضل من المتغيّبين. بالقيام بمفاهمات أو توفير معاملة تفاضلية لبعض دافعي الضرائب أو المشتكين أو المتقاضين أو مزودي الدولة يتحصلون على رشاوي ومكافآت.

قد تبدو هذه المعطيات مفزعة خصوصا للقارئ التونسي الخاضع طيلة العشرية السابقة لخطاب مكافحة الفساد المهيمن. لكن بحوثا معمقة وموسعة قامت بها الحكومات البريطانية في ثمانينات وتسعينات القرن الثامن عشر قصد القيام بإصلاحات، بيّنت أن هذه الممارسات رغم أنها حققت ثروات طائلة لبعض الأشخاص (أفراد عائلة الوزير الأول روبرت والبول مثلا) كانت تكاليفها في المجمل ضئيلة بالنسبة للدخل والإنفاق العموميين[6].

تجدر الملاحظة أن نظام الغنائم بدأ يتراجع تدريجيا بداية من النصف الثاني من القرن. كما تجدر الإشارة إلى أن بعض المصالح الحكومية المستجدة والحيوية مثل الاقتطاع كانت تتسم بمستويات محترمة من الاحتراف مقارنة بالوضع السائد في الوظائف القديمة [بروار].

وإن كان الاقتطاع أهم مصادر دخل الدولة فلم يكن الميدان الجبائي الوحيد لتحصيل الريوع ولا أكبر مشوش للأسعار في القرن 18 وحتى بعده. منذ 1689 أي بعد سنة من الثورة الثانية، مرر البرلمان “قوانين الحب”. يقرّ هذا التشريع منحا لمصدري القمح ومختلف أنواع الشعير ومعاليما ديوانية على توريدها بالإضافة إلى جملة من الإجراءات الهادفة لضمان استقرار الأسعار المحلية لحماية المستهلكين. لن يتم إلغاء هذا القانون إلا في سنة 1842 في معركة سياسية تعتبر رمزيا نقطة فاصلة في التاريخ الاقتصادي للبلاد.

تشكل التجارة الخارجية أحد أهم مجالات تحصيل الريع: “نظرا لنجاح وبروز البحرية البريطانية، ليس من المفاجئ أن تركيزا مصيريا للسياسة التجارية كان توسيع الإمبراطورية والصراع لحرمان خصوم البريطانيين مثل الفرنسيين من محطات خارجية وحماية وتعزيز التجارة خاصة داخل الإمبراطورية. بالإضافة إلى ذلك، حالما استفادت مجموعة مصالح من مستعمرة معينة أو تجارة محمية أو علاقات استعمارية مماثلة، يبدو أن البحث المتواصل عن ريع تسبب في دفاع كلا التجار ورجال الدولة على فضائل التدخل المستمر [للدولة…] بمرور أكثر بكثير من مليون باوند استرليني من التجارة الاستعمارية عبر لندن في نهاية القرن السابع عشر، كان هناك الكثير من الريوع ليُعترك حولها”.

عانت بريطانيا طيلة القرن 17 من عجز تجاري كبير يمكن إسناد مغلبه للبضائع الواردة من فرنسا. قطعت حربا التسع سنوات ثم الخلافة الإسبانية كل المبادلات مع فرنسا. ازدهرت بذلك صناعات البلور والورق والحرير والساعات واللُعب والسكاكين وتطورت جودتها وافتكت حصصا مهمة من السوق المحلية. بما أن المشروبات الكحولية كانت تشكل جزءا كبيرا من واردات بريطانيا، اتجه المستهلكون إلى جملة من المنتوجات المحلية التي تعوضها. استفاد منتجو الجعة من غياب نبيذ (فرنسي) رخيص الثمن ومرشحو الويسكي والدجين والروم من صد المشروبات الروحية الفرنسية. كما اتجهت جملة من التجار إلى توريد النبيذ من إسبانيا والبرتغال والاستثمار في الأخيرة. بعودة السلم سنة 1713 ورغم ميل حزب الويغ الحاكم إلى الحفاظ على السلم وحتى إلى التحالف مع فرنسا (إلى حدود سنة 1731 والحرب التالية معها) بقيت المعاليم على النبيذ الفرنسي عالية وارتفعت. “التفسير الأكثر تماسكا الذي يأخذ أيضا السياسة التفضيلية تجاه البرتغال هو أن مجموعات المصالح التي طفرت لتستفيد من الحظر القطعي على الواردات الفرنسية من 1689 إلى 1713 صارت تسعى الآن لحماية هذه الريوع بالحفاظ على تشريع أفضلي […] أكثر أهمية، كانت المعاليم الحمائية والاقتطاعات منظومة مندمجة وكانت تُستعمَل كطريقة لحماية مجموعات الزبائن مثل المنتجين المحليين لللباس والمشروبات. يمكن إثر ذلك فرض ضرائب أعلى على هؤلاء المنتجين مقابل حماية متواصلة من المنافسة الخارجية […] تبينت تحركات أفراد هذا اللوبي مثمرة في تشكيل السياسات. رُفِضت محاولة التاج [أي حكومة الملك] إعادة إقامة علاقات عادية مع الفرنسيين على أساس المعاهدات التجارية التي تم التفاوض حولها في 1713 […] تدحض العرائض المتنوعة من صانعي الجعة والمرشِّحين [مرشحي المشروبات الروحية] ردا على إمكانية التجارة العادية مع فرنسا – خصوصا حول النبيذ – في 1713، مشيرة تخصيصا لمنافسة البدائل المحلية [عن النبيذ]، الادعاء أنه لم يكن هناك شيء لتحميه [الحكومة] وتوضِّح أن مجموعة هامة ومؤثرة كانت واعية بهاته الارتباطات [بين حظر النبيذ الفرنسي وازدهار بدائله المحلية]”. لم يكن إذن الهدف المباشر لهذا المعلوم على النبيذ الفرنسي جمع مداخيل للحكومة. إذ جعل مستواه المرتفع توريد النبيذ الفرنسي تجارة غير مربحة وبالتالي فهو يضاهي حظره ولا يوفر أية مداخيل للدولة. لكنه مكّنها من اقتطاع مبالغ مهمة من الأرباح الكبيرة التي صار يحصلها منتجو المشروبات الكحولية بفضل حمايتها. إذ صار هؤلاء مدينين لها بذلك ومن مصلحتهم التعاون معها للإبقاء على امتيازهم.

أدى ارتفاع الاقتطاعات على المشروبات الكحولية (إلى الضعف على الجعة مثلا) إلى انخفاض في عدد صانعي الجعة. اغتنمت الدولة الفرصة لتشجيع الاحتكار (الجماعي) الذي هيمن على صناعة الجعة في لندن. فقامت بتحديد الأسعار وزيادة حواجز الدخول على مستويي البيع بالجملة وبالتفصيل. شدّدت الدولة في شروط الترخيص باستعمال حجج حول الصحة العامة ومناهضة الغش. يشير الاقتصادي ناي إلى أن هذا التركّز كان مفتاح نجاح الاقتطاع إذ يمكّن الدولة من جمع مداخيل مهمة بتكاليف ضئيلة. بينما يتكلف جمع الضرائب من عدد كبير من المنتجين الصغار أكثر ولا تكاد المبالغ الضئيلة التي تحصلها الدولة تغطي هذه التكاليف. هذا بالإضافة إلى صعوبة مراقبة الغش والتهرب والتهريب كل ما ازداد عدد الوحدات الاقتصادية في السوق [ناي].

نفس الشيء ترتكز عليه إحدى سياسات روبرت والبول التي تهدف لمكافحة التهريب بتشجيع تصدير التبغ بكميات كبيرة (يصعب إخفاؤها) عبر تعويضات لمن يصدر كميات فوق وزن محدد. يشير براور لنفس الاتجاه بعبارات أكثر عمومية قائلا: “كانت جاذبية الاقتطاع […] في كونه […] ضريبة غير ظاهرة تُجمَع على عدد مهم لكن محدود من البضائع – من بينها الجعة والمشروبات الروحية والنبيذ ومشروب التفاح والشعير والجنجل والملح والجلد والصابون والشموع والخيوط والورق والحرير والنشاء – التي يدفع منتجوها وموزعوها الضريبة لكن يمررون تكلفة الجباية بتحميل الحرفاء أسعارا أعلى. كان طبعا، من الأساسي، لنجاح جمع الاقتطاع أن تكون هذه القطاعات في نفس الوقت وبمستوى معقول، مندمجة[7]” [بروار].

على عكس ما يمكن أن يتصوره أعداء الريع، فإن السياسة الاحتكارية في سوق الجعة أدّت إلى تطور تكنولوجي وتنظيمي في صناعتها بفضل عائدات الحجم وحتى إلى “ثورة” في القطاع حسب ناي الذي لا يمكن القول إنه مساند لهذه السياسة.

مثلت مداخيل المعاليم على النبيذ والمشروبات الروحية والاقتطاعات على الجعة والمشروبات الروحية والمواد الوسيطة المستعملة في إنتاج الجعة تقريبا 40٪ من مداخيل الحكومة. بإضافة المعاليم والاقتطاعات على السكر، المستعمل بكثافة في صناعة المشروبات الكحولية، تناهز النسبة نصف المدخول الحكومي (أنظر جدول “أهم الضرائب البريطانية 1788-1792” أعلاه).

بحلول ثمانينات القرن 18 صارت مداخيل الدولة تتوزع كالآتي: بين إثنين وثلاث ملايين £ من الأرض؛ قرابة 3 ملايين £ من المعاليم الديوانية؛ بين سبع وثمان ملايين £ من الاقتطاع. بما أن الاقتطاع على الشعير والجعة والمشروبات الروحية المحلية وفّر 5 ملايين £ والمعاليم على النبيذ والمشروبات الروحية والسكر المستعمل في هذه المنتجات وفرت مليوني £، فموضوع الحديث هنا ليس فقط مثالا أو نموذجا من قطاع معيّن (قد يمثّل أو يشابه بقية القطاعات أو لا) بل سياسة هيكلية محورية للدولة البريطانية. يذهب الاقتصادي (الليبرالي) ناي حتى للقول “أن قصة النجاح الضريبي البريطاني في القرن الثامن عشر كانت في معظمها قصة الفرض الناجح لضرائب على المشروبات الكحولية” [ناي].

Image
صورة 1: الدخل العمومي الصافي البريطاني 1688-1799 [ناي]

لم يكن احتكار الجعة على أهميته أكبر الاحتكارات. إذ كان يحق للبرلمان (بعد انتزاعه هذا الحق من الملك بعد ثورة 1688) منح امتيازات لشركات بعينها من بينها الاحتكار القانوني لنشاط معين. من أهم هذه الاحتكارات شركة البحر الجنوبي التي تحصلت على احتكار للتجارة مع أمريكا الجنوبية إلى جانب أنشطتها المتعددة والمعروفة بتسببها في أزمة مالية بعد انفجار الفقاعة التي خلقتها. يعدّ بنك انقلترا مثالا مهما آخر. يمكن اعتباره نموذجا بدائيا للبنوك المركزية. يجب هنا التذكير أن هذه المؤسسات، التي لم يعد وجودها محل مساءلة جدية في إطار الرأسماليات المعاصرة، كانت موضوع صراعات كبيرة. مُنح البنك احتكار إصدار الأوراق النقدية وكانت الحكومة تملك فيه حصصا إلى جانب الخواص. ليس من الصعب رؤية الطبيعة الريعية لهذه الحالة. وكان البنك محل هجومات شرسة كرمز لهيمنة مصلحة المالية.

لكن أكبر الاحتكارات التي عرفتها بريطانيا دون منازع هو شركة الهند الشرقية. استحوذت الأخيرة في وقت ما على نصف التجارة العالمية ووصل جيشها الخاص في الهند (استعمرت بريطانيا الهند عبر هذه الشركة) إلى 260 ألف جندي أي ضعف الجيش البريطاني القار وكانت تحقق نسب ربح تصل إلى 30٪ وكانت مصلحة الهند الشرقية المرتبطة بحزب الويغ الحاكم قوة برلمانية مهمة. لا يتسع هذا النص للخوض بتفصيل في ممارسات هذه الشركة وسيكتفي بإشارة سريعة إلى بعض الوقائع [روس]. أودع سنة 1730 تجار من لندن وبريستول وليفربول عريضة في البرلمان تقترح إحداث شركة تحتكر كل التجارة مع الهند وتسدي رخصا للتجار بمقابل مالي. مقابل ذلك اقترح هذا اللوبي تسديد دين الحكومة لشركة الهند الشرقية بنسبة فائدة أقل. سقط (طبعا!) هذا المقترح في البرلمان وتم بدله تمديد الاحتكار إلى 1769 مقابل دفع الشركة 200 ألف £ للملك والتخفيض في نسبة الفائدة على دين الحكومة لها. سنة 1744 أُجبِرت الشركة على إقراض الحكومة مليون £ بنسبة 3٪ مقابل تمديد امتيازاتها التجارية إلى 1783.

سنة 1781 هدد الوزير الأول لورد نورث أنه لن يجدد احتكار الشركة بعد رفضها طلب قرض كبير من حكومته. لكن بمساندة كتلة برلمانية كبيرة، بما في ذلك جزء من حزبه، للشركة، تراجع عن تهديده وعاد إلى طاولة الحوار معها. يلخص الاقتصادي دان بوڨارت قائلا: “كانت الشركة لاعبا مفصليا في الائتلاف الحاكم ولم يكن بذلك من الممكن تقليص ريوعها دون وضع الإئتلاف في خطر“. جلس 58 نائبا مرتبطا بالشركة في برلمان 1784 وصار عددهم 72 في برلمان 1790 [بوڨارت].

على أهميته، وعكس ما يدعيه بعض الليبراليين، لم يكن تجميع مداخيل للدولة المحرك الأساسي أو الأهم لفرضها معاليما ديوانية واقتطاعات. لا دليل أقوى على ذلك من إلغائها موارد دخل لتشجيع الصناعة والتجارة في إطار سياستها المركنتيلية. منذ سنة 1721 طرح روبرت والبول (أول وزير أول لبريطانيا) إلغاء كل المعاليم على تصدير المنتجات الصناعية (مع بعض الاستثناءات). أكثر من ذلك، ألغى وخفض خلال حكمه عديد المعاليم على المواد الأولية المستعملة في الصناعة (صباغة النسيج مثلا). لمنع إعادة تصديرها دون استعمالها في الصناعة المحلية (وبذلك مساندة الصناعات الأجنبية) فرض عليه معلوما.

لم يتوقف في هذا الحد بل وضع نظاما كاملا من الإنفاق (منح وتعويضات) لتشجيع الصناعة. أقر البرلمان سنة 1722 مساعدات لمصدري البضائع الحريرية المصنوعة في بريطانيا. منذ 1713 كانت الأشرعة المصنوعة في بريطانيا تتمتع بمنحة للتصدير. سنة 1731 ضوعفت المنحة بالإضافة إلى إلغاء كل معاليم التوريد على الكتان (القماش المستعمل لصناعة أشرعة السفن) الخام. في نفس السنة أقرت منحة تصدير لمسحوق البارود. تقول توطئة نص القرار أن “ثروة ورخاء المملكة يعتمدان بشكل كبير على تحسين صناعتها والتجارة المربحة التي يواصلها تصديرها”.

سنة 1724 قررت شركة بحر الجنوب دخول ميدان صيد الحيتان، لكنها لم تحقق الأرباح المبتغاة. قبل أن تذهب الشركة للتخلي عن المشروع، طلبت من البرلمان منحة على منتوجات الصيد، تحصلت عليها في السنة الموالية. تقول توطئة نص القرار البرلماني أن “كميات كبيرة من زيت وزعانف الحوت تُشتَرى بتكلفة باهظة من الأجانب وتُورَد سنويا إلى البلاد” وأنه “لإيقاف هذا، يجب الاعتناء بزيادة الإنتاج الإنقليزي لهذه البضائع”. في هذه الحالة ليس المطروح فتح أسواق خارجية لتشجيع الصناعة بل سياسة تعويض واردات. سنة 1740 زاد البرلمان المنحة بنسبة 50٪. هذا في نفس الوقت مثال آخر على إقرار البرلمان والحكومة البريطانيين ريوعا تحت الطلب.

في بداية ثلاثينات القرن اشتدت منافسة فرنسا في تصدير السكر المكرر وبدأت حصة بريطانيا من التصدير تتراجع. بعد إقرار منحة للتصدير سنة 1733، بدأت صادرات بريطانيا تتعافى وحتى حصتها في الارتفاع.

منذ بداية القرن 18 أُقِرت جملة من التعويضات (مثلا إرجاع قيمة الاقتطاع) على تصدير المشروبات الكحولية، مثل الجعة والمِزْر (نبيذ الذرة) ومشروبي التفاح والإجاص المصنوعة في بريطانيا. كانت هذه السياسة مرتبطة عضويا بقانون الحب الذي يشجع زراعة بعض من المواد الأولية لهذه المشروبات.

في حالات أخرى ألغيت تعويضات قديمة على تصدير منتجات موردة (ما سيقلص توريدها) لتشجيع صناعتها المحلية. عند طلب صناعيي الورق قامت حكومة والبول بإلغاء تعويض على إعادة تصدير الورق الأجنبي سنة 1737. وفي نفس الدورة البرلمانية ألغي نفس التعويض بالنسبة للمحار.

بالإضافة إلى حمايتها والاستثمار في تشجيعها، قام والبول بتنظيم مختلف القطاعات وفرض معايير جودة إجبارية ومراقبتها بصرامة: من الزبدة في مدينة يورك إلى نوعية وجودة وطول الأقمشة الصوفية في اسكوتلندا؛ من ضبط معايير عملية صناعة الآجر والقرمود وحجم القطع إلى تحديد طول أعمدة السداة والنسالة في نسيج الكتان. ذهبت سياسة والبول لتعزيز جودة وسمعة المنتوجات البريطانية في السوق العالمية حتى إلى فرض طرز إسم المنتِج على الملابس ونقشه على الفضة والذهب. كما أخضع الأخيرين إلى معايير دنيا من الجودة (22 قراط للذهب مثلا) [بريسكو].

يمكن اعتبار السياسة الاقتصادية لروبرت والبول نموذجا لما سيسميه أعداؤها وأشهرهم آدم سميث بالمركنتيلية. تضع هذه السياسة في قلبها مصلحة الصناعة والفلاحة، فتحمي سوقها الداخلي وتساندهما مباشرة بمنح وتعويضات لافتكاك الأسواق الخارجية وتضيّق على التجارة لصالحها. ذلك ما جعل الاقتصادي الألماني فريدريش ليست (مؤسس المدرسة الحمائية الألمانية) يعتبر تسمية هذا النظام بالمركنتيلي (أي حرفيا التجاري) مغالطة، مسميا إياه بالنظام الصناعي[8]. لكن يجب أيضا الإشارة لكون أحد الأهداف الاستراتيجية لهذه السياسة كان تحقيق فائض في الميزان التجاري. وهو ما يعني دخولا صافيا للذهب إلى البلاد، المهم بدوره لتمويل الحروب. من وجهة نظر اقتصادية صرفة يعني فائض تجاري إنتاج بلاد أكثر من حاجياتها وبالتالي عملها أكثر من اللازم لصالح استهلاك غيرها. أكثر من ذلك يمثل التشجيع على التصدير وانخفاض أسعار الصادرات الناتج عنه دعما للمستهلكين الأجانب الذين سيشترونها بأقل من قيمتها. استهدف آدم سميث هذه النقطة بشكل خصوصي في هجماته على الميركنتيلية. لكن مجددا من وجهة نظر السياسة الإمبريالية يعني ذلك قتل الإنتاج الأجنبي المنافس أو منعه أصلا من التشكل وإخضاع الشعوب المعنية للتبعية.

يجدر أخيرا في علاقة بالفلاحة، بالإضافة إلى قوانين الحب، التطرق إلى بضعة نقاط أخرى. من أواخر القرون الوسطى أخذت ملكية الأراضي في التركز خصوصا عبر خوصصة الأراضي المشاعة. تسارع هذا المسار بعد الثورة الثانية. كانت 29٪ من أراضي إنقلترا مفتوحة أو مشاعة سنة 1700. صارت هذه النسبة 5٪ سنة 1914. تم ذلك عبر سلسلة من قوانين “التسييجات” التي أقرها البرلمان الذي تهيمن عليه كما ذكر مصلحة أصحاب الأرض. كان معدل مساحة الضيعات في انقلترا سنة 1700، 65 آكر (وحدة القيس البريطانية) وكانت الضيعات المسيجة في الجنوب أوسع بكثير. سنة 1800 أصبح معدل مساحة الضيعات بمختلف أنواعها 150 في الجنوب و100 في الشمال [س. ألان]. لم تكن قوانين التسييجات المحرك الوحيد لهذه العملية بل لعبت اضطرابات الأسعار وإفلاسات صغار الفلاحين الناتجة عنها دورا مهما في تركز ملكية الأراضي الفلاحية. يصف المؤرخ جوفروي هولمس هذه العملية بـ “المسيرة الطويلة نحو الاحتكار [الجماعي]” ويشير إلى أن الحصة الأكبر من الأراضي الفلاحية الإنقليزية وحصة أكبر من مداخيل الأراضي صارت بحلول السنوات 1780 متركزة في أيادي شريحة عليا تعد بالمئات وليس بالآلاف. أي أن، بلغة أسهل، بعض مئات كانوا يملكون أكثر أراضي ويحصلون أكثر دخلا من بقية الفلاحين [هولمس].

بهذه البنية الاقتصادية-السياسية دخلت إذن بريطانيا في نهاية هذا القرن الثامن عشر ما يُعرَف بالثورة الصناعية. من خلال ما سبق يبدو من الغريب وصف مؤسساتها الاقتصادية والسياسية بالإدماجية (أي تدمج الرعايا)، في حين يتحدث مؤرخون مختصون في أعمال مرجعية عن “دولة جبائية-عسكرية” [بروار] وعن “عهد الأوليغارشية” [هولمس وسزاتشي]. يتجاهل كاتبي “لماذا تفشل الأمم؟”[9] كل هذه المعطيات، ويكتفيان بانتقاء مثال من كتاب بروار لتوظيفه بعيدا عما يبينه نصه، ما يصورهما كإيديولوجيين اقتصاديين ليبراليين مستعدين لتطويع التاريخ.


المراجع

[إدالشتيْن]: Michael Edelstein – Foreign investment, accumulation and Empire, 1860–1914, in The Cambridge Economic History of Modern Britain Volume II: Economic Maturity, 1860–1939

[آرونوفيتش]: Sam Aaronovitch – The Ruling Class: A Study of British Finance Capital

[ج. ألان]: G. C. Allen – Monopoly and Competition in The United Kingdom, in Monopoly and Competition and Their Regulation Edited by Edward H. Chamberlain

[س. ألان]: Robert C. Allen – Agriculture during the industrial revolution, 1700-1850, in The Cambridge Economic History of Modern Britain, Volume I: Industrialisation, 1700–1860

[إناس]: Dave Innes – Full employment: are we nearly there yet?

[إيشنڨرين]: Barry Eichengreen – The British economy between the wars, in The Cambridge Economic History of Modern Britain Volume II: Economic Maturity, 1860–1939

[إيفانس]: Eric J. Evans – The Forging of the Modern State: Early Industrial Britain, 1783-c.1870

[بال وتوملنسون]: Torsten Bell and Dan Tomlinson – Is everybody concentrating? Recent trends in product and labour market concentration in the UK

[بروار]: John Brewer – The Sinews of Power: War, Money and the English State, 1688–1783

[برولاند]: Kristine Bruland – Industrialisation and technological change, in The Cambridge Economic History of Modern Britain, Volume I: Industrialisation, 1700–1860

[بريسكو]: Norris A. Brisco – The Economic Policy of Robert Walpole

[بُوْدن وهيڨّنس]: Sue Bowden and David M. Higgins – British industry in the interwar years, in The Cambridge Economic History of Modern Britain Volume II: Economic Maturity, 1860–1939

[بوڨارت]: Dan Bogart – The East Indian Monopoly and The Transition from Limited Access in England, 1600-1813

[بول]: Ellen Frankel Paul – Laissez Faire in Nineteenth-Century Britain: Fact or Myth?

[ترنر]: Michael Turner – Agriculture, 1860–1914, in The Cambridge Economic History of Modern Britain Volume II: Economic Maturity, 1860–1939

[ثوماس]: Mark Thomas – The service sector, in The Cambridge Economic History of Modern Britain Volume II: Economic Maturity, 1860–1939

[جونس، 1]: Owen Jones – The Establishment: And how they get away with it

[جونس، 2]: Owen Jones – Chavs: The Demonization of the Working Class

[روبنس]: Keith Robbins – The Eclipse of a Great Power: Modern Britain 1870-1992

[روس]:Dave Roos – How the East India Company Became the World’s Most Powerful Monopoly

[ستاندينڨ]: Guy Standing – The Corruption of Capitalism: Why Rentiers Thrive and Work Does Not Pay

[سكوت]: Peter Scott – Regional development and policy, in The Cambridge Economic History of Modern Britain Volume III: Structural Change and Growth, 1939–2000

[شانغ]: Ha-Joon Chang – Kicking Away the Ladder: Development Strategy in Historical Perspective

[فيل]: Simon Ville – Transport, in The Cambridge Economic History of Modern Britain, Volume I: Industrialisation, 1700–1860

[ڨروف]: J.W. Grove – Government and Industry in Britain

[كريستوفرز]: Brett Christophers – The Rentier Economy: Who Owns The Economy and Who Pays for It

[كوترل]:P. L. Cottrell – Domestic finance, 1860–1914, in The Cambridge Economic History of Modern Britain Volume II: Economic Maturity, 1860–1939

[كيتسون]: Michael Kitson – Failure followed by success or success followed by failure? A re-examination of British economic growth since 1949, in The Cambridge Economic History of Modern Britain Volume III: Structural Change and Growth, 1939–2000

[ليفي]: Hermann Levy – Monopolies, Cartels and Trusts in British Industry

[ماجي]: Gary B. Magee – Manufacturing and technological change, in The Cambridge Economic History of Modern Britain Volume II: Economic Maturity, 1860–1939

[ماكروستي]: Henry William Macrosty – The Trust Movement in British Industry: A Study of Business Organisation

[موكير]: Joel Mokyr – Accounting for the Industrial Revolution, in The Cambridge Economic History of Modern Britain, Volume I: Industrialisation, 1700–1860

[ميدلتون]: Roger Middleton – Government and the economy, 1860–1939, in The Cambridge Economic History of Modern Britain Volume II: Economic Maturity, 1860–1939

[ميدلماس، 1]: K. Middlemas – Power, Competition and the State: Volume 2

[ميدلماس، 2]: Keith Middlemas – Power, Competition and the State: Volume 3

[ناي]: John V.C. Nye – War, Wine, and Taxes: The Political Economy of Anglo-French Trade, 1689–1900

[نيكولاس]:Tom Nicholas – Enterprise and management, in The Cambridge Economic History of Modern Britain Volume II: Economic Maturity, 1860–1939

[واتسون]: Katherine Watson – The financial services sector since 1945, in The Cambridge Economic History of Modern Britain Volume III: Structural Change and Growth, 1939–2000

[ويهتون]: Timothy Whitton – The Growth of Precarious Employment in Great Britain

[هارلي، 1]: C. Knick Harley – Trade: discovery, mercantilism and technology, in The Cambridge Economic History of Modern Britain, Volume I: Industrialisation, 1700–1860

[هارلي، 2]: C. Knick Harley – Trade, 1870–1939: from globalisation to fragmentation, in The Cambridge Economic History of Modern Britain Volume II: Economic Maturity, 1860–1939

[هاريس]Ron Harris – Government and the economy, 1688– 1850, in The Cambridge Economic History of Modern Britain, Volume I: Industrialisation, 1700–1860

[هوبسباوم]: Eric J. Hobsbawm – Industry and Empire

[هولات]: Peter Howlett – The War-Time Economy, 1939–1945, in The Cambridge Economic History of Modern Britain Volume III: Structural Change and Growth, 1939–2000

[هودسون]: Pat Hudson – Industrial organisation and structure, in The Cambridge Economic History of Modern Britain, Volume I: Industrialisation, 1700–1860

[هولمس وسزاتشي]: Geoffrey Holmes, D. Szechi – The Age of Oligarchy: Pre-Industrial Britain 1722-1783

[والرشتاين]: Immanuel Wallerstein – The Modern World-System IV: Centrist Liberalism Triumphant, 1789–1914


[1] تجنبا لإثقال النص بالمراجع وتسهيلا لكتابته وقراءته، يعود كل مرجع بين معقفين على كل الجزء الذي يسبقه من النص إلى حد المرجع السابق.

[2] رأس المال المالي بمعناه الحرفي والمتداول أي الماليون من مقرضين وبنوك وما إلى ذلك. لا أهمية في الحقيقة وفي الممارسة الاقتصادية والسياسية للطابع البرجوازي أو الأرستقراطي لهؤلاء. فهم إما نبلاء قد تحرروا من قيود الإقطاع للاستثمار في أنشطة مالية وتجارية وصناعية (إلى جانب ملكية الأراضي) أو برجوازيون اشتروا أو قد يشترون نبلهم إن أرادوا أو رأوا من مصلحتهم ذلك. لا يوجد الانقسام الصريح بين كبرى البرجوازية وأعلى الأرستقراطية فعليا في المجتمع البريطاني في هذه الفترة.

[3] يضمن خلاص القرض في حالة نخلف مُصْدِر السندات، ما يساهم في ترويجها والحصول على نسبة كبيرة من التمويل المطلوب.

[4] كان البرلمان الإنقليزي يعقد دورة سنوية للنظر في القوانين ولم يكن منعقدا طيلة السنة مثلما نعرف البرلمانات اليوم.

[5] بمنطق اقتصادي بحت تُعتبر هذه الممارسة الفاسدة أفضل من ترك الأموال تنام في الخزائن

[6] بالنظر للحرفية والانضباط والتنظيم والمراقبة الكبيرة التي تميّز الإدارة التونسية المعاصرة مقارنة بهذه الممارسات (وهذه الخصال نسبية دائما ولا معنى مطلق لها خارج المقارنة)، يبدو من المعقول افتراض (ولا يمكن إلا الافتراض في علاقة بمسألة خفية مثل الفساد. من يظنون أن وزن الفساد مهم هم أنفسهم يفترضون ذلك لا أكثر) أنّ وزن الفساد في الاقتصاد التونسي ضئيل جدا.

[7] Consolidated بالإنقلزية. يعني مصطلح الاندماج في المعجم الاقتصادي لللغة الإنقلزية التركز والاحتكار بصفة عامة وليس بالضرورة اندماج شركة أو أكثر. سيرد في هذا النص عدة مرات بمعناه الأول.

[8] أنظر:
Friedrich List – The National System of Political Economy

[9] Daron Acemoglu and James A. Robinson – Why Nations Fail: The Origins of Power, Prosperity, and Poverty
 وهو من المراجع النظرية لخطاب مناهضة الريع في تونس. يطرح أن العامل المحدد في التطور الاقتصادي هو “المؤسسات الإدماجية” وأن المؤسسات الإدماجية التي أقامتها ثورة 1688 في بريطانيا هي ما يفسر تطورها الاقتصادي اللاحق. لنقد مفصل للكتاب حول هذه النقطة أنظر:
Baki Güney Isikara – A Critical Assessment of Liberal History Writing: Why Nations Fail in Light of Evidence from post-1688 British Institutions

لنقد أطروحات الكاتبين بشكل عام أنظر:

Ha-Joon Chang – Institutions and economic development: theory, policy and history

مقالات ذات صلة

  •  ليس نظاما للتّفقير، بل نظاما لليأس من الحياة

    ستون دينارا بحالها، ما نقصن وما زدن . ذلك هو القسط الأول من المساعدة الرمضانية التي تقدمها الدولة لضعاف الحال.…

    بلا حياد

    Adel hamdi
  • في تاريخ ثروة الأمم: إصلاحا لما أفسده خطاب “الريع”

    "نعلم كلنا أن التنافس نشأ من الاحتكار الإقطاعي. وبالتالي، كان التنافس في الأصل عكس الاحتكار وليس الاحتكار عكس التنافس. لذا…

    اقتصاد سياسي

    blank
  • رأي | المشاريع الخاصة بين لابس الجزمة والحافي الباحث عن حذاء ولابس حذاء الباحث عن جورب

    ينبغي أن نكون دائما على حذر مما يتم الترويج له من مقولات تتعلق بمقومات النهوض الإجتماعي،  ومن الواضح والأكيد أن…

    ثقافة وفنون

    Adeeel
  • إلغاء الديون لا يكفي

    تحية من كيتو عاصمة الإكوادور، مركز العالم! أنا هنا مع مجموعة صغيرة من الزملاء من مختلف بلدان الجنوب لورشة عمل…

    اقتصاد سياسي

    Fadhel site web