أُعلنَ مساء الخميس الماضي رسميا عن ‘التنسيقية الوطنية للتصدي لاتفاقية الأليكا’ على هامش الندوة الفكرية ‘إتفاقية التبادل الحر والشامل المعمق مع الإتحاد الأوروبي، أية إنعكاسات على الإقتصاد التونسي؟’ التي نظمتها جمعية البحوث الإقتصادية والإجتماعية ‘محمد علي الحامي’ بالشراكة مع الاتحاد العام التونسي للشغل بمقرّه المركزي .
وتلا سمير الشفّي، الأمين العام المساعد للمركزية النقابية، “إعلان تونس” المُمضى من عدد من المنظمات الوطنية وجمعيات المجتمع المدني والأحزاب، ويمثّل أرضيّة التنسيقية. ومن أهمّ مكوّنات التنسيقيّة اتحاد الشغل، الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري، الاتحاد العام لطلبة تونس، اتحاد أصحاب الشهادات المُعطّلين عن العمل، الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان، إلى جانب جلّ أحزاب الجبهة الشعبية والتيّار الديمقراطي والحزب الجمهوري، فيما ستتمّ مناقشة تمثيليّة “المجتمع المدني” لاحقًا، كما أوضح الشفّي.
《الإتحاد الأوروبي يبحث عن تصريف فوائضه من الإنتاج تجنبا للخسائر المادية》
أوضح الخبير الإقتصادي مصطفى الجويلي خلال مداخلته أنه لا وجود للتفاوض في باب الفلاحة، بل هناك فرض من الإتحاد الأوروبي بغاية رفع الحماية عن المبادلات الفلاحية. اذ أشار الى أنّ الاتحاد الأوروبي يحقق فوائض في الإنتاج تقدَّر بـ 30% في السنة، وأنّ الأسواق الأوروبية لم تعد قادرة على إستيعاب المنتوج الفلاحي، خاصة في المواد الأساسية. وأضاف أنّ الدعم الأوروبي للقطاع الفلاحي يُقدَّر بـ 27% في قطاع تربية الماشية و36% في قطاع الحبوب، ممّا يجعل المجموعة الأوروبية أمام حلِ وحيد هو إيجاد أسواق خارجية كدول شمال إفريقيا، ومنها تونس التي يعتبرها من أسواقه التقليدية لتصريف فوائضه، “وهم الأن بصدد مناقشة أكثر من 26 إتفاقية (أليكا) مع بلدان أخرى”.
《أكثر من ربع مليون فلاح في مهبّ الريح》
وتطرّق الجويلي كذلك إلى باب ‘المعايير والمواصفات الأوروبية’، مشيرًا إلى أنها بالأساس معايير تقنية متعلقة بأساليب الإنتاج، بما يعني فرض شروط معينة على المنتوجات وفقا للمواصفات الأوروبية التي ستُفرض على تونس في ظلّ إختلال ميزان القوى أثناء التفاوض. اذ سيُجبَر الفلاح التونسي على إستعمال المبيدات والأسمدة المُصنَّعة من قبل الشركات الأوروبية، اضافة للالتزام بشروط وتراخيص الشركات الأورويية، وهو ما سيترتبّ عنه كلفة مالية مرتفعة. وهذا سيقضي على القدرات الانتاجية لصغار الفلاحين، وعددهم يناهز الـ 250 ألف، ممّا سيجعلهم عرضة للإندثار.
كما أضاف الخبير حسين الرحيلي إلى أنّ جزءًا هامًا من هذا الباب قد مُرّر بعد من خلال قانون “السلامة الصحية للمواد الغذائية وأغذية الحيوانات”، الذي صادق عليه البرلمان التونسي في شهر فيفري المنقضي. وأوضح أنّ هذا القانون يسمح بتسليط عقوبات سجنية، وخطايا يمكن أن تبلغ 100 الف دينار تونسي على كلّ من يخالف هذه المعايير الأوروبية في الإنتاج. وبيّن أنّ هذا القانون سيدخل حيز التنفيذ بداية من سنة 2021، وهو أمر خطير لأن الفلاح التونسي لن يمكنه التأقلم من أجل تطبيق المعايير والمواصفات الأوروبية في ظرف سنتين. وهو ما قد يُغرق السوق التونسية بالسلع الأوروبية لمدّة قد تتجاوز العشر سنوات أو أكثر.
《 خدمات الدولة مُهدّدة كذالك 》
من جهته، شرح مصطفى الجويلي التأثيرات المحتملة للاتفاقية على قطاع الخدمات. اذ أشار إلى أن كلّ الخدمات، بما في ذلك تلك التي تسديها الدولة كالخدمات الإجتماعية، التعليم الثقافة إلخ. ستكون خاضعة وفق مشروع الإتفاقية إلى “التحرير”. فوفق دراسات قامت بيها دوائر المال العالمية، يُعتبَر سوق التعليم أكبر من سوق السيارات بما يقارب 50 مرة. لهذا فإنّ التركيز على خوصصة التعليم في تونس ليس من باب الصدفة، بل ضمن خطة ممنهجة. كما أشار إلى أن قطاع الخدمات في الإتحاد الأوروبي، الذي يحتل المركز الأول بنسبة تقارب 70% من الناتج المحلي الخام ويشغّل ثلثي اليد العاملة، يعيش حالة تضخم بعد إشباع الأسواق الأوروبية وأن مصيره أصبح مرتبطًا بفتح أسواق خارجية.
وفي هذا الإطار يندرج مشروع تحرير الخدمات، مذكرا بأن هذا القطاع تهيمن عليه أكثر من 80 شركة عملاقة، أقلّها رقم معاملاته يناهز 10 أضعاف ميزانية الدولة التونسية، وهي تشكّل مجموعة ضغط تُعرف بـ”منتدى الخدمات الأوروبية”، وهو الذي يضغط من أجل فتح أسواق خارجية جديدة لضمان إستمرار أرباحه. وبالمقابل لا يمكن للشركات الصغيرة والمتوسطة التونسية أن تنافسه ممّا سيؤدّي بها للإفلاس.
《لقطاع الطاقة نصيب من الخراب》
أمّا في باب الطاقة والمواد الأولية، فقد أشار حسين الرحيلي إلى أنّ أحد الشروط الأوروبية في مجال الإستثمار هو عدم إجبار المستثمر الأجنبي على تحديد نسبة الإنتاج داخل السوق المحلية. فعلى سبيل المثال بإمكان إحدى الشركات الأورويية إنتاج الإسمنت وعدم تزويد السوق المحلية بأي نسبة كانت وتحويل كامل الإنتاج لأسواق أخرى، ممّا يجبر الدولة على توريد المنتوج من الخارج.
ويذكر أن الامين العام للاتحاد نورالدين الطبوبي قدم كلمة في إفتتاح الندوة أكد فيها حرص المنظمة الشغيلة على الحفاظ على السيادة الوطنية التي اعتبرها خطًا أحمر لا يمكن المساس به، ووصف معركة اتفاقية “الأليكا” بـ”الاستحقاق الوطني”، وأكّد أنّ “الإتحاد يتقاطع مع كل المنظمات الوطنية والقوى التقدمية والمجتمع المدني” في هذا الصدد.
ولمعرفة المزيد من التفاصيل حول مخاطر اتفاقية “الأليكا”، يمكن الاطّلاع على “الدليل المواطني حول اتفاقية التبادل الحرّ الشامل والمعمّق”، التي ساهم خبراء جمعية محمد علي الحامي للدراسات الاقتصادية والاجتماعية في انجازه، اضافة الى عدد من الناشطين.