فلسطين أوّلا وثانيا وألفًا.
فلسطين قبل كل شيء وبعد كل شيء ودونها لا شيءَ.
فلسطين في القلب والعقل وكل مسامّ الجسد. فلسطين قبل ذهاب الضمأ وبعده وساعته.
سنة ونصف.. ثمانية عشر شهرا.. هل يُعقل ذلك؟
ما أكبر قدرتنا على التّكيُّف مع الأشياء أمام قدرتنا على تغييرها
فلسطين، أو فلتقُم السّاعة فلا فائدة من تأجيلها في عالم دون روح،
لا فائدة من كرة أرضيّة تدور لتأكل نفسها مثل الثعبان الذي يأكل ذنبه.
فلسطين، لنستردَّ بعضا من روحنا ولترقُدَ أرواحهم/نّ ببعض من السّلام الذي لم يروا وتريْن منه شيئا.
فلسطين لكي يكون لمكّة أهل يدرون أو لا يدرون بشعابها.
فلسطين ليكون لنا معنىً وليكون للمعنى معنىً.
فلسطين، “نصر أو استشهاد”.
فلسطين أو الخراب.
فلسطين تقاوم وستنتصر، رغم التّكيُّف والأعداء!
حزن عميق من عمق الأعماق. حزن صعب الوصف ومستحيل الشرح. حزن بحجم الكارثة.
قهر بحجم الحزن وما يعجز عنه المجاز. قهر أيضا بحجم المقاومة.
سحقا لخطاب الهزيمة وسحقا للخطابات جدّ الإيجابية غير المتصلة بواقع ماديّ ملموس.
لفقدان الإيمان ثمنٌ وللأوهام ثمنٌ.
أصبحتُ أكره السعداء والسعيدات. أغبطهم/نّ وأكرههم/نّ وأُحمّلهم/نّ جانبا من المسؤوليّة.
أرى في السعادة عمالة وتواطؤا وامتيازات.
منذ يومين، قال أحد أصدقائي : “السعادة مقاومة”.
أخذتُ نفَسًا خدش رئتيَّ،
وتذكّرت فيالق المفكّرين الذين لطالما أزعجونني لأنّهم يعدّون كلّ شيء مقاومة، مفرغينها من جوهرها وروحها.
تذكرت هوس الأحياء بقصيدة الشهيد رفعت العرير بأن يجب أن نعيش لو ماتوا،
هوسهم بها دون غيرها لأنها تعزّيهم في بقائهم قيد الحياة.
قبلها بأيام، سألني شخص آخر عن هواياتي وما يثير شغفي.
قمت بتعداد الكثير من الأشياء، لكن في صيغة الماضي.
قال: واليوم؟
قلت: لا أدري… أحبّ النار أكثر من أي وقت مضى، وأحبّ غير السعداء.
ضحك وتسائلت أنا متى سأضحك بتلك السهولة من جديد.
ما أصعب ألاّ ننهار وألاّ يقتل الحزن الأشخاص الخطأ!
“حاصر حصارك، لا مفرّ”…
أقول لنفسي: “حاصري حزنك، لا مفرّ”…
بٱسم الحزن والقهر، بٱسم كل من التقط/ت ذراعا سقطت وضرب/ت بها العدو، سننتصر!
بٱسم التّاريخ المتحرّك والجحيم المستعرة في العديدين والعديدات منّا، سننتصر.
أجل، لكن ياللّه، يابعضا من العدالة، فلننتصر اليوم ، فلننتصر عاجلا، لنضحكَ وفي فمنا بعضُ من الأسنان!
بعض آلام الرّوح لا تُرسكَل بل تتحوّل الى ندبة أشدّ وضوحا للعين المجرّدة من بقايا هجمة سكّين على الجلد.
بعض آلام الرّوح كالفِتنة، أشدّ من القتل، لا ينفع معها لا عقار ولا دهر.
يقول تميم: “أيّها الناس، إن خذلتم غزّة فأبشروا بجنود العدوّ في غرف نومكم”.
وكان لبنان واليمن والعراق وسوريا… في انتظار الثور التالي…
يقول مريد: “عندما تقع المذبحة فالمجرم ليس الذابح وحده. المجرم أيضاً من يلوم المذبوح، أياً كانت أخطاؤه. الذبح ليس رأياً سياسياً إنه جريمة.”
وكان الذبح واللوم وسياسات المكيالين والتماثل والسكوت الشاهق.
ومن رحم الدمار والصمود، تقول سيدة استشهد زوجها وأطفالها الأربعة: “لدينا قماش يمكن استخدامه ككفن لأطفالنا، ولكن ليس لدينا قماش نرفع به الراية البيضاء”.
ودفع البعض الغالي والنفيس لتُرفَع الراية وتُطَأطَأ الرؤوس وتُنشَر الفتنة في النفوس
وقال بعضهم: نحن ضدّ الجميع
وقلنا نحن: نحن مع المقاومة ضدّ الجميع.
لا بورك فينا إن لم نزرعها نارا في حجم مهانتنا في كل مكان!
لا بورك فينا إن تصالحنا مع البياض ونسينا،
لا بورك فينا إن صرنا جزءا من السّبب!
يا ليلا طويلا، طويلا
بٱسم من سنسمّي أبناءنا إن أنجبنا؟
استشهدت اللّغة والمعنى بٱستشهادهم
وبقينا نحن والمجاز واللّيل.
ليلٌ طويلٌ، طويل
كشهرٍ، كدهرٍ، كجيل.
أستحظر السيّاب وقصيدة جيكور وأحسّ بناب الخنزير يشقّ يدي وكبدي ويُردي أيّة امكانيّة للنّعاس.
غدا يوم عمل عاديّ.
تفعل بي هذه الفكرة مافعله ناب الخنزير المجازيّ وأكثر.
غدا يوم عمل عاديّ!
من بضعة أسابيع، أخبرتُ السيّدة التي أسكن عندها أنّني فقدتُ هديّة ذات قيمة خاصّة، كانت قد بُعِثت لي من القدس.
أجابتني: “أين تقع القدس؟”.
أحسستُ بأنّني على مشارف الجنون.
ليل ٱجترار كلّ ماقيل ولم يُقَل،
وما تمّ وما لم يتمّ.
ليل تنامي حقد كبير دفين
وحدَه، بتضاعفه وتضاعف مثله هنا وهناك، هناك وهنا،
سيأتي على “حقد الخنزير المتدثّر باللّيل”
وعلى دوامات العمل العاديّة
وعلى كلمة “عاديّة”
وستولد جيكور.