بقلم أمل عامر
بمناسبة الأسبوع العالميّ للتّضامن مع الثّورة الشّعبيّة في الهند الذي يتقاطع والذّكرى السّنويّة لمقتل شارو ماجومدار أحد الزّعماء الإيديولوجيين لأولى حركات التمرّد بالبنغال الغربيّ بالهند، وتخليدا لذكرى 124 شهيدا سقطوا هذه السّنة في إطار سياسة القمع الوحشيّة التي تنتهجها الحكومة الهنديّة ضدّ ثورة الفلاّحين والعمّال بدون أرض، تأتي هذه المحاولة للتّعريف بحرب العصابات الثّوريّة في الهند وتضامنا مع الأسرى والمطارَدين الّذين يخوضون الحرب على الرّجعية الحاكمة وسندها الإمبرياليّ.
السياق التاريخي
الشّرارة: انطلق كلّ شيء من ناكسالباري
في 1967، قام فلاّحون من ناكسالباري بالبنغال الغربيّ بالهند، بعصيان وافتكّوا أراضي الملاّك العقاريّين. لعبت مجموعة من الشيوعيين من الحزب الشيوعي الهنديّ (الماركسيّ) دورا طليعيّا في الحركة وقادتْه إيديولوجيّا. في ماي 1967، فتحت الشّرطة النّار على الفلاّحين لقمع العصيان وقتلت تسع نساء وطفلا ممّن تظاهروا سلميّا للمطالبة بالأرض للجان الفلاّحين الّتي شكّلتها الجماهير الشعبيّة.
رغم سياسة القمع التي انتهجتها الحكومة الهنديّة ضدّ المتمرّدين، انتشرت حركات العصيان في مناطق أخرى. مستلهمين من النّموذج الصينيّ بقيادة ماو تسي تونغ، قام شيوعيّو ناكسالباري بالقطع مع الحزب الشّيوعيّ الهنديّ (الماركسيّ) بعد مشاركته في قمع انتفاضات الفلاّحين، ليكوّنوا في 1969 الحزب الشيوعيّ الهنديّ (الماركسيّ اللينينيّ). كتب شارو ماجومدار، أحد القادة الإيديولوجيّين للحركة 8 وثائق ذات أهمّية تاريخيّة بالنّسبة للثّورة في الهند.
إجمالا، تأتي حركة العصيان التي قام بها الفلاّحون ضمن السّياق الثوريّ للستّينات وتأثّرا بالثورة الثقافيّة البروليتاريّة في الصّين. في 1972، قُتل شارو ماجومدار في كالكوتا، في أحد سجون الحكومة الهنديّة، ليعقُب حلّ الحزب الشيوعيّ الهنديّ (الماركسيّ اللّينينيّ) مقتَله، لكنّ نضالات الفلاّحين استمرّت وتوسّعت.
من 1972 إلى 2004: مسيرة طويلة/بطيئة من أجل الوحدة
بعد حلّ الحزب الشيوعيّ الهنديّ (الماركسيّ اللّينينيّ)، تواصل وجود مجموعات ثوريّة وامتدّ إلى مقاطعات أخرى. الناكساليتيّون (ترجمة حرفيّة لـ les naxalites) مثلما أطلقت عليهم الدّولة الهنديّة، اعتمدوا استراتيجيا حرب العصابات الشّعبيّة المستلهمة من الصين الماويّة. خلال هذه الفترة، وضعت الحكومة الهنديّة للمرّة الأولى استراتيجيا لقمع العصيان لكسر شوكة المتمرّدين من الفلاّحين. في المقابل، امتدّ تأثير الشّيوعيّين إلى مقاطعات أخرى حيث قاموا بالدّفاع عن الفلاحين والعمّال، تطوير وسائل/أدوات الثّورة، وتوجيه الحركة نحو “ديمقراطيُة جديدة” يتمّ بموجبها إسقاط النّظام شبه الاستعماريّ شبه الإقطاعيّ القائم بالهند بدعم إمبرياليّ.
مع اشتداد سياسة القمع، تكوّن وعي لدى المجموعات الثّوريّة بالمقاطعات بضرورة توحيد الشيوعيّين في حزب قادر على التأسيس للبديل السياسيّ الحقيقيّ. كالعادة، كان الشّيوعيّون الذين يقودون الحرب الشعبيّة إلى جانب الفلاّحين. أهمّ هذه المجموعات: الحزب الشّيوعي الهنديّ (الماركسيّ اللّينينيّ) والمركز الشيوعيّ الماويّ الهنديّ. تمخّض مسار التّوحيد عن تأسيس الحزب الشّيوعي الهنديّ الماويّ.
ما بعد 2004 : مقاومة الإبادة وتطوير الحرب الشعبيّة
في 2009، قرّرت الحكومة الهنديّة أن تُصعّد في حدّة استراتيجيا التصدّي للعصيان، إذ فعّلت آلاف العناصر من القوى القمعيّة/الردعيّة على مستوى “الممرّ الأحمر” حيث يخوض الشيوعيّون الثّورة المسلّحة، لإخماد المدّ الثوريّ بحرب إبادة/تطهير. في المقابل، واصل الحزب الشّيوعيّ الهنديّ الماويّ عمليّاته، بعد إعادة تنظيم صفوفه وقواه عقب كلّ عمليّة قمع، واتّجه إلى تعزيز انغراسه في الطبقات الشعبيّة الأوسع بالهند لتطوير الحرب الشعبيّة.
كما واصل الشّيوعيون تشبيك نضالاتهم مع المجموعات الثوريّة وحركات التمرّد بمقاطعات أخرى من الهند ( مانيبور وكيرالا ..) محرزين تقدّما في تحرير النّساء من القيود الإقطاعية والباطرياركيّة، ضدّ الفاشيّين الهندوس، ضدّ تدمير البيئة من قبل الشركات متعدّية الجنسيّة… وكردّ فعل صعّدت الدولة هجمتها على الشّيوعيين، اتّهمت نشطاء اجتماعيين في المدن بالانتماء إلى النكساليّين وإلى المجموعات الماويّة وزجّت بالكثيرين في السّجون.
في الأرياف كما في المدن، رغم حرب الإبادة الطبقيّة التي تخوضها الدّولة الهنديّة وحكومتها الفاشيّة ضدّ الثّوريين والطّبقات الشعبيّة، ورغم الحرب النّفسيّة التّي ما انفكّت تعلن نهاية الماويّين، ورغم الاعتقالات وعمليّات القتل الّتي أسفرت وما تزال عن استشهاد المناضلين (آجيث، كوباد غاندي، أنورادها غاندي ..)، مازالت الحرب الشعبيّة مشتعلة ومتجذّرة منذ ما يزيد عن نصف قرن من النّضال المستمرّ. الآن أكثر من أيّ وقت مضى، يُثبت البراكسيس الثوريّ صحّة مقولة الوزير الأوّل الهنديّ في 2006 :” الماويّون هم التّهديد الأشدّ خطرا على الأمن الدّاخليّ” (الأمن الداخليّ للتحالف الطبقيّ الرأسمالي-الإقطاعيّ الحاكم بدعم إمبرياليّ ).
لماذا نتضامن مع الثّوريين في الهند ؟
إنّ موقفنا المساند لحرب العصابات في الهند والمناهض لسياسة الإبادة -التي تشنّها الحكومة الرّجعية على المتمرّدين وعلى فلاّحي وعمّال المقاطعات الّتي لم تنصهر في نمط الإنتاج شبه الإقطاعيّ-شبه الاستعماري الّذي أصبح من الجليّ منذ ثمانينات القرن الماضي أنه يسير نحو الاندماج في النّمط النيوليبرالي المعولم- يندرج ضمن إيماننا بأنّ مقاومة الهجمة الإمبرياليّة يقتضي بناء وحدة بين دول الجنوب التي ترزح، في التحليل الأخير، تحت نفس الاضطهاد: التوسّع الاستعماريّ وما بعد الاستعماريّ في شكله العولميّ المخاتل ونهب الثّروات وتدمير البيئة واستنزاف قوّة العمل ببلدان الأطراف لمراكمة رأس المال بالمركز.
إنّ دعم الإمبرياليّة الغربيّة للتحالف الطبقيّ الرجعيّ بالهند لقمع حركات التمرّد وإجهاض البدائل، الّتي تثبت مسيرة نصف قرن من النضال المستمرّ أنّها لا تزال قائمة، لا يختلف عن دعمها للرّجعيات العربيّة. تماما مثلما أنّ الدعم الصهيونيّ للعمليات العسكريّة ضدّ المجموعات المتمرّدة يثبت أنّه (إلى جانب الدّور الذي يلعبه بوصفه كيانا استعماريّا استيطانيّا توسّعيّا في فلسطين يهدف إلى إخضاع كلّ الشّعوب العربيّة) رأس حربة الإمبرياليّة الغربيّة وذراعها العسكريّ والاقتصاديّ والسياسيّ ببلدان الجنوب.
نحن إذن لا نتضامن مع ثوريّي الهند من منطلقات إنسانويّة وحقوقيّة لا تتجاوز الشّروط الذي يفرضها النّظام العالميّ للعلاقات بين الشّعوب، بل من داخل تصوّر أمميّ يفترض وحدة نضالات الطّبقات الشّعبيّة في مختلف بلدان العالم وخاصّة منها تلك الّتي تخوضها الطبقات المضطهدة ببلدان الجنوب ضدّ الإمبرياليّة الغربيّة وعملائها المحليّين على أساس الإيمان بوحدة المصير.
تجدر الإشارة إلى أنّ الإرهاب الطّبقيّ للدولة الهنديّة يحظى بدعم الإمبرياليّة الغربيّة، وعلى رأسها الأمريكيّة الّتي تمدّ الحكومة الرّجعية بوسائل القمع والأسلحة الّتي توظّفها في حربها على الثّوريين. كما أنّ الكيان الصّهيوني، الحليف التّاريخيّ للإمبريالية وامتدادها بالمنطقة، يدعم من جهته سياسة القمع عسكريّا.