من داخل قاعة الانتظار، في عيادة طبيبة التوليد وأمراض النّساء، أحاول أن أكتب مقال رأي أو مقالا تحليليّا عمّا يجري معي/داخلي. لا أعلم إن كان إيمانا شخصيّا بأنّ السّرد الذّاتيّ يعرّي الكاتبــــ[ـة تحديدا] أكثر ممّا ينبغي ورغبة في إخفاء مشاعري خشية الظّهور بمظهر الضّعيفــــة، أو استبطانا لكون الكتابة السّرديّة أو الشّعريّة تعبيرا شاعريّا جدّا للجمهور العقلانيّ ورغبة في استمالة القرّاء الذين/اتي سئموا/ن القصائد النّسائية الحزينة والغاضبة.. أم رغبة بسيطة في عقلنة ما يجري. أم كلّ هذا معا.
لكنّني أفقد السّيطرة على النّص. تلحّ عليّ العيادة بالسّرد والوصف. لا أستطيع أن أخرج منّي وأكتب، لذلك سأكتب من حيث أجلس، على مدى أيّام. لا رغبة في تعميم نموذج ذاتي المؤنّثة والأنثى الخاصّة بل بكلّ وعي بخصوصيّتها وباختلاف النّساء (والمجندرات كنساء) الأخريات عنها. والحقيقة أن قصّتي الصّغيرة لا تحتمل التّعميم ذلك أنّها -هي ذاتها- متناقضة إلى حدّ بعيد، إلى حدّ يستوجب الكتابة في خضمّ سرعة الأحداث والمرض والتّعب والوحم والقيء غير المنقطع.
إنّها قصّة صغيرة عن الحمل المفاجئ، “غير المرغوب فيه”، “المرغوب فيه”، عن قرار جسدي في التّخصيب المبكّر، عن الأمومة، عن الأساطير، عن ثديين يثقلان بشكل مزعج، عن الأكاديميا، عن الغضب الشّخصيّ جدّا – والمشترك جدّا.
اكتشفت منذ أسبوع أنّني حامل، في عمر العشرين وخلال فترة عصيبة من حياتي الأكاديميّة والعائليّة. اكتشفت منذ أسبوع أنّني مُنعت خلال اجتياز اختبارات مصيريّة في حياتي من مغادرة القاعة للتقيّؤ في الحمّام والعودة إلى طاولتي، خشية محاولات الغشّ. اكتشفت منذ أسبوع أنّ تذمّري المستمرّ من آلام الرأس لم يكن “دلالا” زائدا وأنّ نومي لنصف يوم وأكثر لم يكن كسلا وأنّ تعبيري عن غضبي المستمرّ تجاه حبيبي لم يكن تقصيرا منّي تجاه العلاقة. وهكذا مرّ الأسبوع في انتظار الموعد في مكتب الطّبيبة، بين قلق نفسيّ وإجهاد جسديّ ورغبة مستمرّة مضحكة في تناول الطّماطم واللّيمون.
قاعة الانتظار ضيّقة، بها نحو السّبع كراسيّ، الأرقام الفرديّة تثير أعصابي. لديّ هوس غريب بأن يكون كلّ شيء قابلا للقسمة على اثنين. على يميني سيّدة ضخمة الحجم محجّبة، وزوجها، ترتدي ملابس من ماركات معروفة، هي حتما على قائمة المقاطعة. قبالتي يجلس ثنائيّ أصغر حجما، وأكثر انشراحا. يقولان نكتا بالفرنسيّة ويطلقان ما يبدو لي ضحكات باللّغة الفرنسيّة. الفتاة ليست بيضاء البشرة، لكنّ شكلها ناعم للغاية. منذ قليل غادرت سيّدة ممشوقة القوام، بيضاء البشرة، ترتدي فستانا قصيرا لا يمكنني ارتداؤه في الحيّ الشّعبيّ الذي أسكن فيه، حيث صبغتني الشّمس لدى محاولتي لاستقلال سيّارة تاكسي إلى العيادة. رغم أنّ العيادة ليست في حيّ راقٍ جدّا، إلّا أنّه ليس حيّا شعبيّا. وروّاد العيادات الخاصّة، بالنّسبة لي -مواطنة لا تزور العيادة الخاصة إلّا في الحالات الضّروريّة كهذه- يأتون من طبقة أخرى. على الجدار المواجه لي تجلس لوحة تجريديّة بشعة. وكاتبة الطّبيبة لا تبتسم بتاتاً. لا شيء هناك يدعو للاطمئنان.
معدّات الطّبيبة داخل مكتبها متطوّرة بشكل رهيب مقارنة بتلك التي ألفتها في مستشفى وسيلة بورڨيبة. آلة الأشعّة (الايكو) هنا استطاعت أن تمدّنا بعمر الحمل تحديدا. “سبعة أسابيع”، “ovulation précoce” (اباضة مبكّرة)، “دوف، داف” صوت وحيد ثمّ صوت ثنائيّ، انغلاق صمّام من هنا وآخر من هناك. هذا الشيء داخلي يملك قلبا ينبض. لقد سمحت له بالعيش داخلي 7 أسابيع فكوّن قلبا. أشعر بالحزن، لأنّ له قلبا. وبالغضب، لأنّه سمح لنفسه بأن ينبض بالحياة داخلي. يفسّر لي حبيبي عند مغادرتنا أنّه ليس قلبه الخاصّ بعد، أنّه صوت دقّات قلبي وهو يضخّ له الدّم في كرة صغيرة لم تصبح قلبا بعد. أي أنّه يعيش بقلبي ودمي أنا. كلّ هذا غريب تماما عنّي. لم أتخيّل يوماً أنّي قد أحمل في العشرين. ولم أدرس العلوم الطّبيعيّة في أيّ مرحلة من تكويني الدّراسيّ. صوت دقّات قلبه وصورته وهو نطفة صغيرة متكوّرة على نفسها كان اعتداءً على عقلانيّة قرار الإجهاض.
أنا لا أريد التّخلّص من هذا الحمل. لكنّني مرغمة. كان صوت دقّات القلب وسعادتي المفاجئة بكون جسدي الصّغير العاجز عن احتمال ما تحتمله بقيّة الأجساد في سنّي، ذو المناعة الضّعيفة، قادر على مشاركة قوّته الضّئيلة مع كائن آخر، مفاجئين لي بداية الأمر. قرأت عدّة مقالات -عند تركيزي على مشروع نزع السّحر (démystification) عن الحمل والأمومة- تقارن بين الحمل والسّرطان، يحاجج بيولوجيّات.يون خاصة النّسويّات منهمنّ كون الحمل يشبه السّرطان في كيفيّة النّموّ، في اقتحامه واحتلاله الجسد، في أعراضه، في تدميره لجهاز المناعة، الخ. واتّفقت، ومازلت أتّفق مع الموقف الذي تسعى هذه الأبحاث إلى إيصاله. الحمل ليس شيئا سحريّا جميلا، إنّه تجربة مؤلمة. ولو أردنا تحميله معاني أخرى، فيمكننا أن نصفه بأنّه حالة أشبه ما يكون بالمرضيّة. لكنّني لا أشعر بأنّ هذا هو الحال الآن. لا يزعجني اقتحام هذا الجسم الصّغير لجسدي ولا عبثه بوقت نومي وصحّتي ولا اقتسامه غذائي ومائي وهوائي ودقّات قلبي معي. إنّه جسم صغير يسعى لأن ينبض بالحياة داخلي، وثق في قدرة جسدي الضّعيف، أتى خلال لحظة حبّ ارتميت فيها على فراش مريح بعد يوم مجهد لأشعر بأنّ ركنا ما من العالم آمن، بأنّ في ركن ما من العالم لي بيت.
عند عودتي من العيادة تتّصل بي رفيقتي لتطمئن عليّ. تقول أنّ عليّ أن لا أهوّل الأمر، وأن لا أستسلم للمشاعر التي يربّيها النّظام الأبويّ داخلي عن قدسيّة تجربة الحمل.
“N’en fais pas un drame, il faut démystifier الحكاية”
أرغب في الإبقاء على هذا الحمل. أحرق سيجارة تلو الأخرى. عليّ أن أجهضه لأنّني أدخّن منذ بداية الحمل. تلك كذبة أخرى. هذا الحمل وقح ومتعب، لا شكّ أنّه ذكر، تقول جدّتي بأن الوحم الصّعب والمتعب علامة ذكر. الفتيات يأتين خفيفات. كما أتيت لأمي. البارحة حلمت بأنّني أنجبت صبيّا، البارحة حلمت بأنّني أحبّه. اليوم أريد الإبقاء على حملي. “الحبّ هو إمكانيّة الحضور على ولادة العالم”، يقول آلان باديو. أنا مرغمة على الإجهاض. هناك قوى خارجيّة تمنعني من الإبقاء عليه. لست حرّة لأنّني أتمتّع بالحقّ في الإجهاض. في الحقيقة أنا لا أتمتّع به كحقّ، بل يتمّ إرغامي عليه. يبدو لي أنّ التّركيز على الحقّ في الإجهاض حصرًا دون غيره يعود بداية إلى تبنّ لخطاب ومطلبيّة نسويّين غربيّين يسعيان لمناقضة سلطة مسيحيّة تجرّم الإجهاض وتحرّمه لتفتكّ من النّساء كلّ سيطرة يمتلكنها على أجسادهنّ. ثمّ يعود إلى أنّ تحقيق الحقّ في الإجهاض يتماشى والتّخطيط الرّأسماليّ للمجتمع. ممارسة الحقّ في الإجهاض تحدّ لسلطة الأب التّقليديّة. لكنّها تخدم مباشرة ضرورات رأس المال. أنا أتمتّع بالحقّ في الإجهاض، وهذا قد يغضب قسّا في كنيسة ما كاثوليكيّة. لكنّه مناسب تماما لمواصلتي دراستي حتى أحتلّ مكانا في سوق الشّغل بعد ثلاث سنوات. أنا أتخلّى عن هذا الحمل كي أدرس ثم أعمل، ثمّ لأنّ المجموعة البشريّة التي أعيش فيها لن تتحمّل مسؤوليّة صغير أرغب في إنجابه ولا أستطيع تربيته وتوفير احتياجاته وستحمّلني وحدي مسؤوليّة تربيته، كأنّني أنجبه ليخدم مجتمع غرفتي الخاصّة أو ليمدّ شركتي الخاصّة بفائض القيمة بعد سنوات من إنجابه. ثمّ لأنّ نفس المجموعة البشريّة ستلعننا لأنّنا لم نمتثل لسلطة الأب التّقليديّة في خلق نموذج مقبول للعائلة. لكنّ من الممكن تفادي هذه اللّعنة بمراوغة سلطة الأب التّقليديّة هذه ومساومتها وتقديم التّنازلات لها؛ نتزوّج ثمّ نعلن أنّه ولد مبكّرا. بيد أنّ هذه المراوغة نفسها تصبح مستحيلة بسبب إكراهات رأس المال السّابقة. رغبة رأس المال في تحويلي إلى قوّة منتجة وإقحامي في السّوق هي إذن ما يمنعني من الحفاظ على هذا الحمل. يدعم هذه الرّغبة خطاب نسويّ ليبراليّ يعادي الأمومة والإنجاب إلى درجة تبنّي حجج فاشيّة في عديد من الأحيان: لا تنجبوا أطفالا ما دمتم فقراء. ليس من حقّك أن تكوني أمّا ما دمت فقيرة. لا يمكننا مساعدة الفقراء إلا بإمدادهم بموانع الحمل.
أنا ممتنّة لمن ناضلن من أجل الحقّ في الإجهاض، ومحظوظة لأن الثّقافة التي آتي منها لا تعادي الإجهاض كثقافات أخرى.
لكنّني أريد حقّي في الإنجاب. والحقّ في الإنجاب، ليس الحقّ في أن أبقي على الحمل ثم أستلقي على طاولة وأدفع بالرّضيع إلى العالم، لكنّه الحقّ في ما بعد لحظة الإنجاب. الحقّ في الولوج لمنظومة صحّيّة عموميّة متماسكة، الحقّ في منظمومة تكاتف مجتمعيّ تتحمّل فيها الجماعة مسؤوليّتها تجاه الرّضيع، الحقّ في الانقطاع عن الدّراسة ثمّ العودة واستئناف ما بدأت من حيث توقّفت. الحقّ في فترات راحة تتماشى وأتعاب الإنجاب والأمومة.
في غياب كلّ هذا، أنا لا أتمتّع بالحقّ في الإجهاض، أنا مرغمة على الإجهاض. أنا ألتجئ إليه كي لا يقتلني رأس المال الأبويّ.
أحمد الله على أنّني خلافا لنساء أخريات أتمتّع بالحقّ في الإجهاض. لكن، يا الله، أنا جحودة ومتعطّشة للمزيد. أريد الحرّيّة في خلق نموذجي الخاصّ للحبّ، للعائلة، للأمومة..
مرّ يوم منذ كشفت عليّ الطّبيبة. مازال صوت دقّات القلب يثير فيّ الدّهشة حين أتذكّره. لم يعد يثير فيّ الكثير من الغضب أو الحزن. لكنّ ما يصيبني تجاهه أشبه بالدّهشة النّاجمة عن مشاهدة نبتة تزهر لأوّل مرّة في حديقة البيت. كأن تزرع البذرة وتسقيها، بهدف أن تزهر وأنت تتوقّع أن تزهر، لكنّ قناعة ما راسخة في قرارة نفسك أنّ مساعي إنباتها ستكلّل بالفشل، وأنّ النّبتة لن تنمو في أرض حديقتك. ثم تتفاجأ بها تزهر ذات ربيع. أو كأن تشهد ميلاد فراشة من الشّرنقة. أو كما أتخيّل أنّني سأحسّ بالدّهشة وأنا أراقب عازف العود المفضّل لديّ يعزف لحنا جديدا لأوّل مرّة. إنّها الدّهشة التي يثيرها الخلق في الإنسان. لكنّها أشدّ وطأة الآن وعمليّة الخلق هذه تتمّ داخل جسدي.
منشور لصديقة على فيسبوك ينعت عمليّة إنجاب الأطفال باللّاأخلاقية، لأنّ الطّفل لم يختر أن يولد في عالم فيه حروب. أشعر بالغضب، لا لأنّ المنشور هجوم شخصيّ، ولكنّني أفكّر في كلّ الأمّهات اللّاتي يقاومن الاحتلال بإنجاب المزيد من الأطفال بعد أن استشهد آخرون.
اللّاإنجابيّة ليست موقفا موحّدا، لقد رأيت مواقف لا إنجابيّة متباينة، وقد تبنّيت أحدها لفترة ما في حياتي. لكنّ بعض هذه الآراء تأتي بشحنات ذكوريّة وحجج فاشيّة مستفزّة. أتساءل عمّا قد يدفع شخصا يدافع عن النساء وعن الفقراء والعمال وعن النساء في غزة إلى تبنّي موقف مشابه. لأنّه رائق أكثر، cool، جذاب أكثر.. ربّما
أرغب في إيقاد سيجارة لأتفادى موجة الغضب. لكنّني أذكّر نفسي بأنّني على موعد مع المبنّج في غضون يوم. والقهوة والسّجائر لا تصبّان في صالحي.
هناك نزعة فاشيّة، حجّة تستمد شرعيّتها من منطق الداروينية الاجتماعية المقيت، في القول بلا أخلاقيّة الإنجاب بسبب الظروف الموضوعية للعائلة / الأم. نزعة تتجاوز الطبقية التي تحمّل الفقراء مسؤولية فقرهم وتردّي أوضاع أطفالهم المعيشيّة إلى رغبة فاشية في محقهم تماما. مادام الظرف الموضوعي للعائلة هو ما يمنع الإنجاب، فلا شك في أن هذا الظرف هو اقتصادي واجتماعي بالأساس، مهما حاول بعض متبنّي هذه الفكرة إقناعنا بأنهم “مع انقراض الجنس البشري” ويؤمنون بأن “الوجود مؤلم لمختلف طبقات المجتمع”.
وبالتالي فإن المجرم في حق أبنائه هو الفقير أو من يعيش في بلد تقلّبه الحروب. على هؤلاء أن يمتنعوا عن إنجاب الأطفال. عليهم أن ينقرضوا. أ لن يصبح العالم أجمل دون طبقات معدمة وشعوب مضطهدة ؟ بالمرّة يجب أن ينقرض حاملو الاحتياجات الخاصة، سيكون ظلما أن يرث أطفالهم إعاقاتهم. سيتحمل الأبوان مسؤولية هذه المظلمة طبعا، لا العالم المبنيّ على قياس من لا ينقصهم ساق ولا ذراع.
لماذا ينجب الفقراء أطفالا أكثر ؟ عادة ما نتسرع بالإجابة: لعدم منحهم وسائل الحمل. لماذا لا نجيب : لأن لهم الحق في ذلك. ولأن الفقراء أقلّ استعدادا للتفكير في ارتقاء السلم الاجتماعي، قد يجعل ذلك بعضهم يتمتع بحقه في الانجاب أكثر من البرجوازي الصغير، الذي يسعى – لأهداف اقتصادية، اجتماعية وثقافية – إلى الانتماء إلى نموذج العائلة النواتيّة المعاصرة.
يعيش بورڨيبة !
أجلس في الغرفة، أوجاع ما بعد الإجهاض ليست بالسوء الذي توقّعته، لا نزيف إلى الآن ولا تعقيدات مخيفة. أمضيت نصف اليوم أصارع الخوف بالضّحك والنّكات والحديث عن المسلسل الجديد الذي نتابعه.
اليوم أنهيت حملي، بأوجاع محتملة. تمشّيت كيلوميترات طويلة بعد الإجهاض مباشرة. حمدت الله على أنّني واجهت خوفي من قطاع الصّحّة الخاصّ وتفاديت الألم الجسديّ والنّفسيّ والعنف الذي كنت لأواجهه إذا ما اعتمدت على امكانيات الدّولة الهشّة وعاملات المستشفى العنيفات. لا أفكّر في نفسي كثيرا. أفكّر فيهنّ، فيكنّ، في الفتاة التي لن تستطيع أن توفّر ثمن الإجهاض في مصحّة خاصّة بخدمة رديئة. في الفتاة التي لا تمتلك امتياز التّنقّل دون رجل من العائلة سيغتالها إذا ما عرف بأمر حملها. في المغتصبة التي تنكر تعرّضها للاغتصاب ويستحيل في ذهنها أن يكون سبب تأخّر العادة الشّهريّة حملا غير مرغوب فيه. في الأم المضطرّة إلى إجهاض جنينها لأنّها مثلي لن تستطيع إعالته ولو كانت متزوّجة، في محاولات إقناع العاملات بالمشفى العموميّ لها بالإبقاء على الحمل، في الهرسلة التي ستشعرها بأنّها أمّ سيئة لأنها لا تستطيع أن تكون أما. في التي لا ترغب في إعارة دورة الإنتاج جهازها التّناسليّ، والأسئلة الملحّة عن موعد زواجها أو حملها المنتظر. في من يدخل جسدها مواد تحرق عروقها، لكنّها لا تخدّرها، لأنّ الأوعية الدموية موصولة بالنهايات العصبية، ولأنّ العضو الوحيد غير الموصول بالنهاياات العصبية هو الدماغ، ممّا جنّبني الصّراخ من شدّة الألم اليوم. ماذا عن التي لا تتجه المواد الحارقة نحو دماغها، بل نحو بقية أعضائها، لأنّ عليها أن تتحقّق من كونها حاملة للسّرطان بسبب البيئة الملوثّة والسّامة أو بسبب موانع الحمل المسرطنة؟
أفكّر فينا جميعا.. من سيفكّر فينا إن لم نفكّر في بعضنا وفي أنفسنا، من سيكتب عنّا إن لم نكتب عن أنفسنا وعن بعضنا؟
إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي إنحياز وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً.