رأي – خاصّ – انحياز
بقلم ص. غ. (عون بالشركة الوطنية للسكك الحديديّة)
تعيش الشركة الوطنية للسكك الحديدية وضعية متردية ومشاكل عديدة أهمّها تكرار الحوادث، كثرة تأخر القطارات وتردّي الخدمات بشكل كبير. كما وصل عجز الشركة الوطنية إلى 577 مليون دينار كما صرّح مؤخّرا وزير النقل الحالي هشام بن أحمد خلال ندوة صحفيّة، وذلك بعد أن كان في حدود 8 مليون دينار سنة 2010. عجز كبير هو في الحقيقة نتيجة للعديد من التراكمات والأسباب.
اليوم صار هناك قناعة لدى أغلب أعوان الشركة بتعمّد الدولة تخريب هذا القطاع تمهيدا لخوصصته. إذ لا تفسير آخر لتحوّل الشركة من قاطرة لبناء الاقتصاد الوطني من بعد الاستقلال حتى أواخر الثمانينات الى عبء كبير على ميزانية الدولة.
يمكن اختزال كلّ هذه المشاكل التي تعانيها الشركة في تفشّي الفساد، خاصة على مستوى الصفقات العمومية. ففي سابقة يمكن اعتبارها فريدة من نوعها في العالم، أبرمت الشركة صفقتين لاقتناء قطارات للخطوط البعيدة: الأولى من المجمع الفرنسي ودخلت في الخدمة سنة 2008، والثانية Dmu من مزوّد صيني ودخلت حيز العمل سنة 2013. إلى جانب الاخلالات التي اعترت هذه الصفقات، تقبع اليوم اكثر من نصف القطارات المُقتناة في الورشات وخارج الخدمة، والى الآن يتم الاعتماد بشكل رئيسي على القطارات القديمة العاملة منذ أكثر من 30 سنة، في انتظار إبرام صفقة جديدة، بما يعني خسارة عشرات المليارات الإضافية.
أثّر هذا الفساد بطريقة مباشرة على مستوى السلامة على متن القطارات التونسية وأصبحت الحوادث تتكرر بصفة دائمة. إذ لا يكاد يمرّ شهر دون أن نسمع في نشرات الأخبار باصطدام أو انقلاب قطار وبما ينجرّ عنه من خسائر بشرية ومادية هامة. الأمر الذي يفرض تساؤلات حقيقية حول الصيانة والبنية التحتية ومستوى التكوين والرسكلة لدى أعوان الشركة. وفي كلّ مرّة يتمّ الحديث عن الخطأ البشري دون تحديد الأسباب العميقة لتكرار هذه الحوادث.
في ظلّ هذا الوضع المتردّي تُطرح تساؤلات جدّية حول مصير هذه الشركة العريقة. إذ يتكررّ الحديث من قبل الدولة حول الإصلاحات الهيكلية، والتي لن تكون سواء املاءات وتطبيق لشروط صندوق النقد الدولي بمزيد الضغط على المصاريف وعدم برمجة انتدابات جديدة رغم النقص الفادح للأعوان، وخاصة الإسراع في تنفيذ اتفاقية الشراكة بين القطاع العام والخاص. هذه الإصلاحات المزعومة، كسابقاتها، لن تنجح سوى في مزيد تدمير الشركة. إذ أنّ المشاكل الحقيقة بدأت مع إصلاحات التسعينيّات عبر اعتماد آلية “الإفراق” (التفريط في بعض الخدمات لفائدة الخواص مثل مشرب القطار ونقل البضائع الصغيرة) وتقسيم الوحدات وإدخال آليّة المناولة والخ.
رغم هذا الوضع القاتم، مازال أمل الإصلاح قائما شريطة توفّر الإرادة السياسية والوطنية. فرغم الديون المتراكمة مازالت الشركة تمتلك امكانيات كبيرة، وهي قادرة، في حال أُحسن توظيفها، على إخراجها من وضعيتها الحالية. إذ يكفي فقط العمل على استرجاع أسواق نقل البضائع، التي فرّطت فيها الدولة لفائدة شاحنات الخواص. وخاصّة نقل الفسفاط أين بلغت خسائر إغلاق الخطّ 13 الرابط بين تونس و قفصة 341 مليار في 8 سنوات، حسب وزير النقل الحالي هشام بن أحمد ) في جلسة مع النواب حول الحوكمة الرشيدة 12 مارس الجاري).
ولا شكّ أنّ هذا الإصلاح المطلوب لن يتمّ إلّا عبر برنامج تأهيل شامل وبمعرفة الأسباب الحقيقيّة والعميقة لأزمة الشركة، ومن ثمّة ايجاد الحلول المناسبة.