ملف: الأرض.. أمّ المعارك

14/05/2024
Sans Titre

“إما الأرض كل الأرض أو النار جيلا بعد جيل”

ها نحن نشهد، جيلا بعد جيل، ملاحم تحرير الأرض، منذ أن أفرغ أول ساكن أصلي للقارة الأمريكية رئتيْه في بندقية نفخ، وأطبق أول عبد إفريقي على نفَسِ من اشتراه للعمل في حقول القطن، وخيَّرَ أول فلّاق أن يبلّلل بارودته الساخنة، خشية اعوجاجها، على أن يبلّ ريقه، ونَصَب أول فيتنامي فخاخا لاصطياد جنود الفرنجة ومن بعدهم اليانكي، إلى أن كبّر أول غزّاوي وهلّل، حين زرع عبوة ناسفة في دبابة ميركافا بائسة، فخرج علينا عبّود – أقوى صحفي في العالم – بابتسامته المُعْدِية، مُصرّحا: “الوضع آيس كوفي”.

يفيدنا علم التأثيل (etymology) بأن أصل كلمة “أرض” باللغة العربية، يعود إلى اللغة الأكدية، أقدم لغات بابل العراق، في صيغة [1]erṣetu. تفسّر المعاجم لفظ erṣetu بالعالم السفلي، أي المقابل للسماء. ومن المثير للاهتمام معنى آخر لهذه الكلمة ألا وهو القطعة من الكبد أو فلذة الكبد.

من المعلوم أن التراث العربي يقدّس هذا العضو تقديسا. وما أكلت هند بنت عتبة من كبد حمزة بن عبد المطلب جزافا أو اعتباطا. ولئن اعتبرنا الوطن العربي جسدا – حسبُنا إذا اشتكى منه عضو، تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر – فإن فلسطين كبده وغزة “إرِشتوه” (نسبة إلى erṣetu). ولئن بلغ الهوان من هذا الجسد مبلغا، فمَردُّ ذلك نقص فادح في مناعته المكتسبة، خارت منه دفاعاته أمام كل جسم غريب غازٍ وهزُل جسده حتى لم يعد قادرا على النهوض والاستمرار.

وفي سبيل التفكير في والعمل على كيّ جراح النهب النازفة والقطع مع التبعية الاقتصادية، من أجل فك الارتباط مع الهيمنة الإمبريالية، كأوْكدُ المهام في سبيل حقن دماء هذا الجسد العليل، كي يقوى على كسر أغلاله،

نقدم للقرّاء ملفّا، يُنشر في ذكرى الجلاء الزراعي، 12 ماي 1964، ويتناول مسألة الأرض التي منها تُحلّ وتُعقد مشاغل الإصلاح الزراعي والسيادة على الغذاء وبناء الاقتصاد الوطني الشعبي وفك الارتباط سبيلا للتحرّر والحرية.

نستهل الملف بعرض ما تطورّت إليه نضالات الفلّاحة التوانسة من أجل استرجاع الأراضي ودأبهم على تخليصها من براثن المستثمرين الخواص التي ما انفكّت تخبش لحم الكادحين وتنبش موارد الأرض.

ثم، في مقال ثان، نعود إلى تاريخ فصل المنتجين/ات الفعليين/ات للغذاء عن وسيلة إنتاجهم الأولى، أو ما يُعرف بالتراكم الأولي لرأس المال. اقتفينا أثر هذا المسار طوال القرون الخمس الأخيرة مُقتفين مختلف تمظهراته قبل وبعد الاستعمار وخلاله.

وآخر المقالات أن بَسَطنا رؤيتنا في تغيير الأمور من خلال طرح تصوّر، قَصَدْنا توخّي العموميات فيه من أجل فتح مسارب النقاش والتطعيم، لإصلاح زراعي يأتي على أسس الوضع القائم تثويرا وتقدّما.

ها هو ذا، ملف آخر يخرج من تحت يديْ كاتبه فيصير مِلكا لقرّائه، يُقيّمونه ويُقوِّمونه.


ستضاف روابط المقالات إلى هذه الصفحة تباعًا عند نشرها على الموقع.


[1] معجم اللغات الآشورية: https://www.assyrianlanguages.org/akkadian/dosearch.php?searchkey=er%E1%B9%A3etu&language=rawakkadian

قاموس العنقاء التأثيلي للغة العربية: https://alankaa.com/etymology/%D8%A3%D8%B1%D8%B6

مقالات ذات صلة

  • شركات تعليب المياه: اعتداء مزدوج على الطبيعة والبشر

    الفرق شاسع  بين تبريد الماء في إناء حديدي أو فخاري أو بلوري، وبين تبريده في قوارير البلاستيك.وإنتاج وعاء  فخاري أو…

    رأي

    شركات تعليب المياه: اعتداء مزدوج على الطبيعة والبشر
  • النّساء والعمل الفلاحيّ: انزعوا أوهامكم عن حكاياتنا

    الثالثة صباحا، مرّة أخرى. يرنّ منبّه الهاتف. عليّ الاستيقاظ للحاق بالشاحنة التي تنقل العاملات الفلاحيات إلى مشروع فلاحيّ يعود لرأس…

    بلا حياد

    blank
  • الإصلاح الزراعي: من أجل إنتاج عمومي للغذاء

    يعاني نمط الإنتاج الفلاحي التونسي السائد من تخلف واضح. أصبح هذا النشاط الاقتصادي طاردا لليد العاملة، إذ أنه يُشغّل بالكاد…

    اقتصاد سياسي

    مزارع تونسي يحمل قمحاً في موسم الحصاد (فرانس برس)
  • التنظّم الفلّاحي: وعي الضرورة

    عندما شق المد الثوري عباب البلاد التونسية، أواخر سنة 2010 وأوائل ما بعدها، أرسى في شوارع العاصمة، أين انقضت أولى…

    اقتصاد سياسي

    التنظم الفلاحي: وعي الضرورة