تجدّدت خلال الأسبوع المنقضي بمنطقة سيدي بوعلي، ولاية سوسة، الاحتجاجات الشعبيّة نتيجة لاستمرار غياب الحلول لأزمة شركة ’ألبان الصناعية’ منذ قرابة العشرة أشهر. إذ أنّ المصنع الوحيد بالمنطقة، ويشغّل حوالي 550 عامل/ة، مُهدَّدٌ بالإغلاق.
نضالات اجتماعية – عمّالية – سيدي بوعلي (ولاية سوسة)
مقال ومونتاج فيديو : وجدي مسلّمي/ تصوير: غسّان بن خليفة
أعلنت الشركة منذ نوفمبر 2018 أنّها تمرّ بأزمة مالية خانقة تحول دون تواصل نشاطها مطالِبَةً الدولة بالتدخل لإنقاذها. اذ أوْقفت الإنتاج بحجّة عدم توفّر المواد الأساسية نظرا لتراكم ديونها، إضافة للتأخّر في صرف أجور العمال – دون المنح – فيما وقع إحالة جزء منهم على ما يعرف بـ”البطالة التقنية” مقابل 70% من الأجر الشهري.
ورغم انعقاد العديد من الجلسات التفاوضية طيلة الأشهر الماضية في مقرّات المعتمدية الولاية، وصولا لوزارة الصناعة، بين ممثّلي الشركة والنقابة الأساسية التابعة للاتحاد العام التونسي للشغل، إلّا أنّ الوعود المقدمة من الشركة والسلطة للعمّال لم تُنفَّذ بعد. هذا علمًا وأنّ الدولة مساهمة في رأسمال الشركة بنسبة 15%.
.
اتهامات بالفساد المالي و”تدمير الشركة”
وجّه بعض العمّال الذين التقاهم فريق إنحياز اتهامات لنجيب الدُغري، صاحب الحصّة الأكبر في رأسمال الشركة (51 %) بسوء التصرّف والتسبّب في تدمير الشركة.
فوفقًا لتصريحاتهم، قبل تولّي الدغري مقاليد الشركة سنة 2006، كان المصنع ينتج قرابة 300 ألف لتر حليب يوميا، ويصل في فترة الذروة (شهريْ مارس وأفريل) إلى حدود 400 ألف لتر. وذلك قبل أن تتدهور الأوضاع خلال السنوات الأخيرة ليصل رقم الإنتاج إلى حدود 30 ألف لتر يوميا. وفي في سنة 2015 وجّه العمّال، عبر نقابتهم الأساسيّة، تنبيهًا للإدارة مفاده أنّ الإنتاج في تراجع وأنّ الشركة في طريقها للإفلاس، فكانت الإجابة “مادمتم تاخذوا في شهرياتكم… هذاكه هو”.
من جهته، شرح محسن جاب الله، نقابي ورئيس مصلحة المحاسبات بالشركة، انّه في أواخر سنة 2010 وبداية 2011 بدأ نجيب الدغري في إغراق الشركة في الديون. إذ تعمّد مثلا اقتناء آلات للمصنع من فرنسا، دون استشارة الخبراء التقنيين بالشركة، بقيمة 5 مليارات. ليظهَر لاحقًا أنّها لا تعمل وأنّ قيمتها الحقيقية لا تتجاوز 100 ألف دينار.
وشرح جاب الله ذلك بأنّها عمليّة تندرج في سياسة ممَنهجة يعمد من خلالها الرأسمالي صاحب الشركة إلى الترفيع في فواتير الشراءات ومن ثمّة تهريب أمواله بالعملة الصعبة خارج البلاد، للاستفادة فيما بعد من انهيار الدينار التونسي مقابل العملات الأجنبية. وعند سؤالنا عن سبب اسهام صاحب الشركة في افلاسها، كانت الإجابة أنّه لا يخشى ذلك لأنّ الشركة مديونة أساسًا لدى البنوك العمومية التي ستتحمّل الخسائر الأكبر.
لغز شركة التوزيع
وأضاف محاورنا أنّ الغموض يكتنف ملكية وأصول الشركة التونسية للتوزيع الغذائي، التي تمتلك فيها الشركة 51 الأمّ % من الأسهم. فهي تدين للمصنع بقرابة 36 مليون دينار في حين أنّ حسابها البنكي فارغ. وقد ذكر العمّال أنّ شركة التوزيع هذه لطالما أعادت كميّات هائلة من الحليب دون توزيعه تحت عنوان “مسترجعات”، ممّا يوحي بوجود نيّة مبيّتة لافلاس الشركتيْن.
وأردف جاب الله أنّ هناك شبهة فساد بخصوص بعض الموظّفين بالبنوك العمومية، التي مدّدت أكثر من مرّة مدّة خلاص الكمبيالات المتخلّدة بذمّة الشركة دون مراعاة القوانين المالية الجاري بها العمل، داعيا الدولة إلى تحمل المسؤولية وفتح تحقيق في شبهة التلاعبات المالية الحاصلة. وأكّد العمّال على ضرورة تحمّل كل طرف مسؤوليته في تدهور وضع الشركة وطالبوا بتحقيق العدل والإنصاف. هذا وقد أفادنا محدّثونا أنّه وقع رفع قضية عدلية ضدّ النقابي محسن جاب الله و13 من العمّال والنقابيين على إثر الإحتجاجات الأخيرة.
من جهته، ذكر توفيق الشمسي، وهو تقني بالشركة منذ 1992، أنّ الإدارة تعمّدت كراء شاحنات ورفض توزيع الحليب عبر شاحنات الشركة، ما أدّى إلى تكبّدها خسائر تقارب 30 ألف دينار شهريا؛ وهو ما يمكن اعتباره “سوء تصرف غير طبيعي” كما أوضح.
مطلب العمّال والمواطنين: احالة ملكية الشركة
ويطالب العمّال اليوم، وعدد من المواطنين الذين التقيناهم بالمدينة، بإحالة الشركة لـ”مستثمرين” آخرين أو إعادة ملكيتها للدولة. إذ يذكرون أنّها عرفت كشركة عمومية، تمّ تأسيسها سنة 1977 تحت اسم “شركة حليب تونس”، طيلة عقود ازدهارًا كبيرًا وحازت على جوائز عديدة لجودة منتجاتها، ومثّلت شريان الحياة في المعتمدية.
الاّ أنّ السلطة في عهد بن علي عهدت إلى التفويت فيها وخصخصتها سنة 1997 إثر تكبيدها خسائر كبيرة. اذ قامت أنذاك بتوجيه أمر للشركة بقبول كمّيات كبيرة من الحليب من الفلاحين، بما يفوق طاقة إنتاج المصنع. وإثر إنتاج الشركة قرابة 10 ملايين لتر، فشلت الدولة في التصرّف فيها أو حتى تصديرها ما أدّى إلى تكبّدها خسائر مالية كبيرة نتج عنها عملية تطهير مالي في ثلاثة مناسبات سنوات الألفين إلى حدود التفويت فيها سنة 2006 إلى رجليْ الأعمال خالد بن جمعة بنسية 24% ونجيب الدغري 51% بينما بقيت حصّة الدولة، ممثّلة في البنك الفلاحي، في حدود 14% والبقية لبعض المساهمين الصغار.
استياء من “وحشية التدخل الأمني” أثناء الاحتجاجات الأخيرة:
هذا وعبّر عدد من المواطنين والعمّال الذين التقيناهم عن غضبهم واستيائهم من التدخل الأمني لفضّ الاحتجاجات. اذ حدّثنا الناشط الاجتماعي قيس ساسي عن المعاملة السيئة التي تعرّض لها من قبل قوات الحرس الوطني. اذ كان ضحّية عنف شديد من بعض عناصره، خلّفت له أضرار جسدية جسيمة، منها اصابته بعينه اليمنى ورضوض في الظهر. وقد وقع ذلك، كما شرح لنا، أثناء استدعائه من قبل عميد في الحرس الوطني للتفاوض لحلّ الإشكال. ويضاف إلى ذلك الاعتداء على زوجته الحامل وتلفيق قضية كيدية ضدّه.
من جهته، صرّح المواطن فرج فتح الله أنّه أصيب بكسور في أربعة أضلاع من صدره (وقد استشهد بتصوير أشعّة يثبت ذلك)، أثناء تواجده أمام بيته واحتجاجه لدى قوّات البوليس على القائها قنابل الغاز المسيل للدموع على المنازل حيث يتواجد الأطفال الرضّع والمسنّون. وأوضح المتضرّران أنّهما قرّرا رفع قضية بالأمنيّين المعتدين عبر فرع سوسة للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان.
ويُذكر أنّنا حاولنا، دون جدوى، الاتصال هاتفيًا أكثر من مرّة بإدارة الشركة لتردّ على الاتهامات الموجّهة لها.