ولكن ماذا لو كانت هذه الطفيليات تتخذ أشكالا بشرية وأجسامنا الفيزيولوجية هي طبقات اجتماعية أكثر غنا… ذلك بالضبط ما أراده فيلسوف السينما جونغ جو هو الكوري الجنوبي.
الكاتب: شاهين أيوب
لقد فقدنا صلتنا بالحياة إلى درجة أننا لا نملك أحياناً إلا أن نشعر بالاشمئزاز من “الحياة الحقيقية”، ولهذا فإننا نغضب حين يذكرنا الناس بذلك. لماذا، بل إننا ذهبنا بعيداً جداً في هذا، وصرنا ننظر إلى “الحياة الحقيقية” باعتبارها عبئاً ثقيلا.
دوستوفسكي
نطلق اسم الطفيليات على تلك الكائنات غير المرغوب بها من البكتيريا الدقيقة المجهرية التي تعيش على هامش أجسادنا وتقتات على غذائنا دون أن نشعر بها في المجمل فتأثيرها على سير حياتنا اليومي يكاد يكون غير محسوس…ولكن ماذا لو كانت هذه الطفيليات تتخذ أشكالا بشرية وأجسامنا الفيزيولوجية هي طبقات اجتماعية أكثر غنا… ذلك بالضبط ما أراده فيلسوف السينما جونغ جو هو الكوري الجنوبي مخرج فيلم بارازيت (Parasite).
افتتاحية رمزية بإمتياز
كوخ في حي شعبي على أحواز مدينة صاخبة ذو شباك يطل على أرضية الشارع فالكوخ مبني تحت الأرض…فكرة أولية تفسر اسم الفيلم اذ أن العائلة حقا مجهرية وغير مرئية كالطفيليات تماماً حتى أن الجيران السكارى لا يحسبون وجودهم ويتبولون أمام ذلك الشباك وسط رد فعل لا مبالي نوعا ما من العائلة.
مشهد آخر عبقري من المخرج وهو أثناء بحث الشاب عن شبكة وايفاي الجيران ارتضى لنفسه جلسة القرفصاء غير المريحة بجانب المرحاض وهو ما يعبر على تطفل العائلة على انترنات الجيران وعيشهم على حافة الجميع.
ذلك مانجنيه من الرأسمالية التي تجعل من طبقة تعيش كليا على فتات الطبقة الأغنى كالطفيليات تماماً.
انعدام الضمير في رحلة البحث عن الوجود
يتحصل الابن على وظيفة عبر أحد اصدقائه عند عائلة ثرية كمدرس خصوصي ولكن مطلوب شهادة جامعية جامعية كي يتم قبوله…يصدمنا المخرج هنا بأن الأخت هي من تزور لأخيها الشهادة وكي تكتمل الرسالة نرى رضا تاما من الوالدين ليس هذا فقط بل تشجيع لابنائهما وفخر عارم بما أنجزاه.
تتوالى الأحداث المستفزة في الفيلم حتى تتحصل كل العائلة على وظائف لدى نفس العائلة الثرية بطرق ملتوية ومكائد للموظفين المباشرين اللذين بدورهم ينتمون لنفس الطبقة المحطمة أسفل الهرم ولكن البحث عن المال واثبات الوجود والصعود الى أدنى معايير الحياة كلها أسباب سلبت من تلك العائلة معايير الشرف والكبرياء وكتبت لها بالخط العريض الغاية تبرر الوسيلة.
الصدمة الطبقية
بعد هذا الصعود الصاروخي وتحصل كل العائلة على وظائف بعد أن كان مورد رزقهم الوحيد بيع علب البيتزا…ها هم الآن يختلطون بزبدة المجتمع وصفوته فيصدمون بكم الرفاهية والسخافة التي يعيش فيها هؤلاء البورجوازيين فارغي الرؤوس فهم يختلقون المشاكل السخيفة كي يتناسوا بها أموالهم الطائلة ويصطنعون اللطف واللباقة كي يثبتوا تفوقهم وسيادتهم.
السقوط المدوي
وكأي صعود صاروخي لا بد أن يقابله السقوط المدوي. في حفلة عيد ميلاد ابن الأثرياء تمكن أحد الطفيليين الآخرين من قتل الفتاة وسط الحسد مما صدم الابن الثري وأوقعه مغشيا عليه…ماسيحصل الآن يمكن أن نصفه بالتاريخي في السينما…يهرع رب العائلة الثرية إلى ابنه ويطلب من السائق تناسي البنت والهرع لنجدة ابنه…نرى هنا تحولا هائلا في شخصية أب العائلة الفقيرة فيحمل سكينا ويردي الثري المتكبر قتيلا ثم يفر هاربا.
ليس للفقراء غير الأحلام
ينتهي الفيلم على استيقاظ ابن الفقراء من حلم راوده جاء فيه أنه عمل جاهدا حتى استطاع شراء الفيلا الضخمة وأنقذ أباه من القبو الذي يختبئ فيه حلم يراود.