الهيمنة النقدية الحديثة، أو العبودية الجديدة

07/11/2024

(تصميم أمل الورثي)

الكاتب: مهدي طليب

ترجمة: إيناس الزغدوي

مراجعة لغوية: غسان بن خليفة

لن يغيب عن أذهان أولئك الذين لديهم يقظة وحساسية حقيقية تجاه جميع أشكال اللامساواة بين الشمال والجنوب أنه خلال أزمة الكوفيد كان بإمكان سكان الشمال البقاء في منازلهم لأشهر متتالية دون الحاجة إلى القلق بشأن أجورهم التي تدفعها الدولة (بشكل مباشر أو غير مباشر)، بينما في الجنوب، لم يحدث شيء (أو القليل جدًا) من هذا القبيل. لماذا هذا التفاوت؟ هل هو بسبب عدم الكفاءة أو التهاون/الاهمال الأسطوري لدول الجنوب، أم أنه عرض من أعراض الهيمنة غير المعترف بها بما فيه الكفاية: الهيمنة النقدية، وهي الجانب الأكثر حيوية في الإمبريالية، حتى أكثر من الجانب العسكري، كما سنرى لاحقاً. هذه اللامساواة تطرقت لها حورية بوثلجة خلال مناظرة لها مع برنار فريو في لوهافر في ماي الماضي، في إطار أمسية ”من أجل شيوعية ديكولونيالية”/ “من أجل شيوعية تقطع مع الاستعمار“ [1]، لكن برنار فريو، وهو خبير اقتصادي، ردّ على حورية بوثلجة بالتهرب من سؤالها حول ما يكمُن في صميم هذه اللامساواة: الإمبريالية والمزايا الباهظة التي تمنحها للشمال في جميع الظروف.

في هذا المقال، الذي يلخِّصُ في شكل، نأمل أن يكون في  المتناول، الأفكار الرئيسية للراحلين ديفيد غرايبر ومايكل هدسون وغيرهما من المؤلفين حول هذا الموضوع بالذات، سنستكشف الأسس السليمة وغير السليمة للأنظمة النقدية المستخدمة على مدى آلاف السنين، وكذلك التطورات المنحرفة التي تسمح اليوم للإمبراطورية الأمريكية (وبدرجة أقل الاتحاد الأوروبي)، لتي تمارس هيمنة نقدية لم يسبق لها مثيل تاريخيًا، ولم يسبق لها مثيل في طبيعتها، لطباعة ”أموال الهليكوبتر“ (التي تُنزل بالمظلات على الشعب في حالة حدوث ضربة قاسية مثل الجائحة الأخيرة) دون أن يترتب عن ذلك عواقب تتناسب مع هذا الإجراء. ولو كانت دول الجنوب قد اتبعت نفس المسار، لعانت عملاتها من عواقب مجحفة (أي من انخفاض حاد في قيمة العملة) كانت ستستغرق سنوات للتعافي منها. سنرى أيضًا كيف أنتجت هذه الهيمنة النقدية الحديثة،، بالإضافة إلى طباعة النقود السحرية دون عقاب،  شكلًا جديدًا من أشكال الإمبريالية – “إمبريالية خارقة” – بموارد غير محدودة تقريبًا (لأنه، للأسف، يتم تمويلها من قبلنا جميعًا، رغما عنّا) ممّا يولّد حالة حرب دائمة.

”من يتحكم في الإمدادات الغذائية يتحكم في الشعوب؛ ومن يتحكم في الطاقة يمكنه التحكّم في قارات بأكملها؛ ولكن من يتحكم في العُملة يمكنه التحكم في العالم برمّته.“

هنري كسينجر
مجرم القتل الجماعي

تُنسب هذه المقولة إلى هنري كيسنجر ،مجرم القتل الجماعي وعرضيا وزير الخارجية ومستشار الأمن القومي في عهد إدارتي نيكسون وفورد.

الدولار هو عملتنا، ولكنّه مشكلتكم.

جون كونالي
وزير الخزينة العامة في عهد الرئيس نيكسون، في عام 1971

اختراع النقود

على عكس الأسطورة القائلة بأن النقود اختُرعت كوسيلة للخروج من نظام بدائي قائم على المقايضة، فإن النقود، التي تُعرّف بأنها 1) وسيلة للتبادل (وظيفتها الرئيسية)، 2) وحدة حساب (تجعل من الممكن تحديد قيمة السلعة أو الخدمة التي يتم تبادلها من أجلها)، 3) مخزن للقيمة (أي أن قيمتها يتم الاحتفاظ بها على مرّ الزمن؛ وسنرى لاحقًا أن ما نسميه الآن عملات الدولة لم تعد تفي بهذا المعيار)، كانت موجودة على مر التاريخ. وقد استُخدم الذهب والفضة (المعدن الثمين)، اللذان يستوفيان المعايير الثلاثة، كعملات منذ 5000 سنة على الأقل. لكن المقايضة أو النقود لم تكن ضرورية لازدهار المجتمع.

على سبيل المثال، في المجتمع ”البدائي“ للأمم الستة لهنود الإيروكوا، كانت معظم السلع تُخزّن في بيوت طويلة وتديرها وتوزّعها مجالس نسائية داخل المجتمع [2].

وعلاوة على ذلك، فإن فكرة الاقتصادات البدائية القائمة على المقايضة لم تؤكدها الأنثروبولوجيا أبدًا [3]، وبالتالي فهي خرافة أخرى من خرافات الليبرالية (وهي خرافة اخترعها آدم سميث، أبو الليبرالية الاقتصادية، في عمله ”تحقيقات في طبيعة وأسباب ثروة الأمم“)، وهي ليبرالية استُخدمت بشكل خاص لاختراع مجال ”العلم“ الاقتصادي الحديث والمريب الذي يهيمن عليه هذا الفكر الليبرالي [4][5]، والذي يسمح تحت ستار العلمية باختزال الغرض من حياة ومجتمعات بأكملها إلى مجرد تبادل المنتجات والخدمات،  بل إلى درجة اختزال الحياة والمجتمعات نفسها إلى سلع خاضعة لإملاءات الربحية (حلم البرجوازية بالسيطرة على كل شيء، بما في ذلك الحياة). وكل ذلك على خلفية وعود بالرخاء العام (وهو ما أدرك الكثيرون الآن أنه خداع آخر من قبل البرجوازية).

 الاقتصاد هو الإله الجديد الذي يجب أن يُعبد من خلال دين السوق، الذي يبرّر، من خلال تحريف مبادئه الخاصة كما سنرى لاحقًا، إخضاع أطراف العالم لصالح امراكز الاستعمارية والإمبريالية في الغرب، وهي مراكز تنقسم بدورها إلى مراكز وأطراف، حيث تتصدر البرجوازية الغربية هذه السلسلة الطفيلية. والسيطرة على العملة (الزائفة، لأنها لا تحترم المعيار الثالث، كما سنرى لاحقًا) هي السلاح الرئيسي لتحقيق ذلك.

مدغشقر والشعب الملغاشي يعرفان الكثير عن هذا الأمر [6]: ما إن أحكم الجنرال غالياني سيطرته على الجزيرة كلها في عام 1901 حتى فرض ضريبة عالية على كل ”رأس“ (كانت فرنسا حريصة على أن يدفع المستعمَرون كلفة استعمارهم)، وهي ضريبة لا تُدفع إلا بالفرنك الملغاشي، التي طبعها المستعمِر نفسه حديثًا وسيطر عليها وطرحها للتداول (الإلزام بدفع الضرائب بهذه العملة الجديدة جعلها بحكم الواقع وبحكم القانون، عملة التبادل الرئيسية، على حساب جميع العملات التي كانت موجودة من قبل).

 وبمجرد فرض هذه الضريبة تم جمعها بعد الحصاد مباشرة، ولم يكن أمام السكان الأصليين أي خيار سوى بيع جزء من محصولهم بسرعة للحصول على المبلغ بالفرنك الملغاشي اللازم لدفعها، ممّا أدى فجأة إلى طرح كمية كبيرة من الأرز في السوق وتسبّب في هبوط الأسعار (البرجوازية المحلية، أي التجار الذين لم يجدوا صعوبة في دفع هذه الضريبة، استغلوا الفرصة لشراء الأرز بسعر مخفض) وأجبروا الملغاشيين على بيع المزيد من محصولهم، بل واضطُرّ البعض منهم إلى الاستدانة من هؤلاء التجار أنفسهم، الذين أصبحوا في هذه العملية المُرابين الطغاة:  سيناريو كلاسيكي للغاية.

لم يتوقف الانحراف والإخضاع الرأسمالي عند هذا الحدّ: فقد كشفت الوثائق الداخلية للإدارة الاستعمارية عن سياسة محاولة ترك دخل كافٍ للسكان الأصليين لشراء ”الكماليات الصغيرة“ الحديثة مثل المظلات وأحمر الشفاه والبسكويت، وذلك من أجل تحويلهم إلى الأنثروبولوجيا الاستهلاكية الجديدة وجعلهم تابعين للحاضرة الاستعمارية [6].

استمر هذا الوضع من الهيمنة النقدية إلى ما بعد الاستقلال الرسمي لمدغشقر، ولكن في عام 1972، أدت حركة شعبية كبيرة (طلاب وتلاميذ المدارس الثانوية والعمال) للاحتجاج على الاتفاقيات النقدية الاستعمارية الجديدة/النيوكولونيالية مع فرنسا إلى مظاهرات عملاقة، بلغت ذروتها باستقالة الرئيس تسيرانانا الذي سلّم كامل السلطات إلى الجنرال غابرييل رومانانتسوا.

هذا الأخير، وهو رجل وطني، تفاوض لمدة عام (عن طريق وزير خارجيته ديدييه راتسيراكا) مع فرنسا، التي وافقت في النهاية على سحب قواعدها العسكرية من الجزيرة، ولكن – ومن المثير للاهتمام – لم توافق على خروج مدغشقر من اتفاقية فرنك الاتحاد المالي الأفريقي[1]! يا له من أمر مدهش… وكاشف لما هو حقًا أقوى أسلحة الإمبريالية.

في مواجهة هذا الوضع، أعلن الجنرال غابرييل رامانانتسوا في 21 مايو 1973: ”نفضل أن نبقى فقراء، ولكن كرامًا، على أن نركع أمام الثراء“.

في اليوم التالي، أعلن ديدييه راتسيراكا من باريس أن مدغشقر ستترك فرنك الاتحاد المالي الأفريقي [7]. كلّف هذا الخيار للجزيرة الكثير من حيث اضطراب العملة (والذي كان من الممكن تجنّبه لو قبلت فرنسا اتفاقًا يقضي بخروج سلس لمدغشقر من فرنك CFA)، لكنه في النهاية حرّر مدغشقر من نير الهيمنة النقدية الفرنسية.

ومن المفارقات أنّ غالياني أطلق على هذه الضريبة الشهيرة اسم ”الضريبة الأخلاقية“…

العملة هي الديون (في بعض الحالات)

من المقبول عمومًا أنّ مفهوم الائتمان، وبالتالي الديون، ظهر بعد فترة طويلة من ظهور مفهوم النقود، على الرغم من أنّ الآثار الأولى لوجود النقود، التي عُثر عليها على ألواح بلاد الرافدين ويعود تاريخها إلى 5000 سنة، تشير أيضا إلى مستحقات وديون بين الأشخاص.

وخلافًا للنقود كما تم تعريفها أعلاه بمعاييرها الثلاثة، لا يمكن ممارسة التداين إلا بين الأفراد والكيانات في نفس المجتمع على أساس الثقة (وهو جانب مهم سنعود إليه لاحقًا): وعلاوة على ذلك، كانت ”النقود“ (ليس بالمعنى الدقيق للمصطلح، حيث لم يكن الشرط الثالث المتمثل في احتياطي القيمة مستوفى) تُصنع من أشياء ليست لها قيمة جوهرية، حيث كانت سمتها الرئيسية هي ندرتها وصعوبة أو استحالة تزييفها (على سبيل المثال، كانت مجتمعات السكان الأصليين في غرب أفريقيا وجزر المحيط الهادئ وأمريكا الشمالية تستخدم أصدافًا معينة كعملة تبادل).

في بقية هذا المقال، ومن أجل التمييز بين النقود الحقيقية والنقود التي لا قيمة جوهرية لها، دعونا نسمّي الأخيرة عملة. هكذا يمكن اعتبار الأوراق النقدية (التي لا تبلغ قيمتها الجوهرية سوى بضعة سنتات من اليورو، حتى ورقة الـ 500 يورو) – على نحو خاطئ إلى حد ما – عملة، بينما هي في الواقع ديْن مستحق على الدولة لحامل الورقة النقدية. وعلاوة على ذلك، تسمى عملات ورقية “فيات” (fiat)، ويشير مصطلح فيات (الذي يعني باللاتينية ”فليكن“) إلى أنها ليست عملات توافقية/متفق عليها، بل هي عملات مفروضة من قبل سلطة سياسية.

لماذا فُرضت؟ ألا توجد ثقة بين حامل الورقة النقدية والدولة؟

من الواضح أن الإجابة هي: ليس بالضرورة (وبالنسبة لأي مواطن متسلح بالحد الأدنى من الحس النقدي، نادرًا ما يكون كذلك. لأن الدولة كيان يمكن أن يتحكم فيه بـأوقات مختلفة من قبل أفراد مختلفين بدرجات متفاوتة من الأمانة والموثوقية).

فبدون هذه الثقة، كيف يمكن للناس أن يقبلوا الأوراق النقدية – وكذلك العملات المعدنية الحديثة، التي لم تعد مصنوعة من الذهب أو الفضة بل من سبائك منخفضة القيمة، وبالتالي لم تعد لها أي قيمة جوهرية حقيقية – كوسيلة للتبادل اليومي، وحتى للادخار؟

لاكتساب هذه الثقة، كانت الدول عند تأسيسها – في وقت لم يكن فيه ميزان القوى في صالحها تمامًا – ملزمة بضمان أنّ كل عملة معدنية وورقة نقدية أصدرتها يمكن استبدالها عند الطلب بما يعادلها من العملات الذهبية أو الفضية (المعدن النفيس) من قبل الخزينة العامة: وهذا في الواقع ما كان منقوشًا على الأوراق النقدية نفسها (انظر الصورة 1 أدناه).

في وقت لاحق، اختفى هذا الوعد نفسه، كما هو موضح في الورقة النقدية المعاصرة من فئة واحد دولار أدناه. وسنرى لاحقًا تحت أي ظروف حدث هذا.

[1] يرتبط تاريخ الفرنك الإفريقي (CFA) بإرث الاستعمار الفرنسي في إفريقيا، حيث تم إنشاء هذا العملة في عام 1945 تحت اسم “فرنك المستعمرات الفرنسية في إفريقيا”. كان الهدف من هذه العملة تسهيل التحكم الاقتصادي والسياسي لفرنسا في مستعمراتها الأفريقية. وعلى الرغم من استقلال العديد من الدول الإفريقية في الستينيات، بقي الفرنك الإفريقي كعملة رسمية في عدة دول. لاحقًا، تم تغيير معنى “CFA” ليصبح “فرنك المجتمع المالي الإفريقي” في غرب إفريقيا و”فرنك التعاون المالي في إفريقيا” في وسط إفريقيا، لكن هذه التغييرات لم تؤدِّ إلى الاستقلال النقدي الفعلي، و فرضت هذه العملة كأداة للهيمنة المالية والاقتصادية الفرنسية

ولادة الديون بين الدول

كظاهرة تاريخية، تعتبر الديون  بين الدول ظاهرة حديثة نسبيًا، إذ يعود تاريخها إلى الحرب القبَلية الأوروبية الأولى [8] [9].

وتجدر الإشارة هنا إلى أنّ موضوع الحرب، وهو تخصص غربي بامتياز، هو العنصر الرئيسي الذي ولّد الوضع النقدي الدولي الكارثي الذي نجد أنفسنا فيه [10]، خاصة وأنّ منطق الحرب قد تطور من وسيلة للتوسع الإمبريالي إلى غاية رأسمالية، أي الحاجة إلى الحرب الدائمة، مثل الحرب التي تخوضها الإمبراطورية الأمريكية اليوم ضد روسيا، مستخدمة أوكرانيا بالوكالة، والحرب التي تعدّ لها ضد الصين، كل ذلك من أجل ضرب عصفورين بحجر واحد: التخلص من المنافسين الذين يهدّدون احتكارها للهيمنة، وتفكيكهم بهدف استغلالهم بدورهم.

في الواقع، خلال هذه الحرب الكبرى الأولى، شرعت الدول الأوروبية (بقيادة فرنسا والمملكة المتحدة وألمانيا) في حرب استنزاف استثمرت فيها كل مواردها – بما في ذلك الموارد الصناعية – في تدمير بعضها البعض، لدرجة أن كلّ ما أنتجته كان الأسلحة (حتى الغذاء كان مستوردًا). مما اضطرهم إلى شراء الإمدادات بالتداين  (وهنا بدأت الديون  الدولية) من حليفهم الطبيعي، الولايات المتحدة، التي لم تكن متورطة في الحرب (والتي لم تكن تريد الدخول فيها قبل كل شيء)، لدرجة أنّ هذه الدول حوّلت احتياطياتها من الذهب (الذي كانت لا تزال عملاتها مدعومة به) لدفع ثمن وارداتها، وهي الأسلحة بشكل أساسي، وأيضًا كضمان.

ومن الضروري أن نتوقف للتأكيد على أن الدول كانت حتى ذلك الحين تقترض فقط من البرجوازية الكبيرة الدولية، إلا أن هذه الأخيرة لم تكن لتقوم بتمويل مشاريع حربية من شأنها أن تدمر أصول الدول المدينة لها – خاصة القاعدة الصناعية التي كانت إما تحوّلها لخدمة المجهود الحربي، أو يقع تدميرها بشكل متبادل – والتي كانت ستمكنها من الحصول على دخل لسداد ديونها بعد انتهاء الحرب. لذا فإن دولة أخرى، الولايات المتحدة، هي الوحيدة التي كانت مهتمة بتمويل هذه الحروب، لأنها كانت تأمل في المقابل في استخدام قوتها كدائن لإخضاع الدول المتحاربة، خاصة وأنّ هذه الدول كانت تضم إمبراطوريات مهيمنة في ذلك الوقت لا أكثر ولا أقل: فرصة ذهبية.

وبحلول الوقت الذي انتهت فيه الحرب، كانت هذه الدول الأوروبية، بشكل غير مفاجئ، مثقلة بالديون (بلغت الديون بين الحلفاء 28 مليار دولار أمريكي في عام 1923، وبلغت الديون الألمانية للتعويضات 60 مليار دولار، وهي مبالغ مذهلة بالنسبة لذلك الوقت) [11].

وهكذا كانت الظروف قد تهيأت لولادة الإمبراطورية الأمريكية كإمبراطورية مهيمنة ودائنة للإمبراطوريات القديمة التي كانت في حالة تدهور.

ومع ذلك، لم تكن الهيمنة الأمريكية من خلال الديون لتؤدي إلى تحول الإمبراطورية الأمريكية إلى قوة عظمى: كان ذلك يتطلب سلسلة أخرى من الأحداث (بما في ذلك حرب قبليّة أوروبية أخرى) من شأنها أن تخلق تدريجيًا ظروف انحراف وحشي لم يسبق له مثيل تاريخيًا.

من بريتون وودز إلى صدمة نيكسون :

لم يستغرق الأمر سوى أقل من جيل واحد حتى نسيت القبائل الأوروبية وعدها المتبادل بـ ”لن يتكرر هذا أبدًا“ وعادت إلى حالة الحرب الهمجية التي بلغت مستويات جديدة. ومرة أخرى، أعقب الدمار الشامل والموت الجماعي الإفلاس.

في نهاية هذه الحرب الجديدة، التي أظهرت فيها الإمبراطورية الأمريكية تفوقها العسكري المذهل من خلال التفجيرات النووية في هيروشيما وناغازاكي، استغلت أيضًا الظرف (لأنه يجب ضرب الحديد وهو ساخن) لتكريس هيمنتها النقدية (لتحل محل الإمبراطورية البريطانية بجنيهها الإسترليني) من خلال اتفاقيات بريتون وودز، التي ربطت جميع العملات المسماة ”ذات السيادة“ بالدولار الأمريكي [12]. شكّل هذا بالتأكيد تنازلاً عن جزء كبير من السيادة النقدية لهذه الدول، وأضفى الطابع الرسمي على وضع الدولار كعملة الاحتياطي الرئيسية في العالم، حيث أصبح مطلوبًا من جميع دول العالم من ذلك الوقت أن يكون لديها احتياطي من الدولار إذا أرادت الانخراط في التجارة الدولية (تمامًا كما أُجبر الملغاشيّين على استخدام العملة الاستعمارية، الفرنك الملغاشي)، وهو ما أعطى الدولار الفائدة والهالة التي جعلته قويًا في مواجهة الصدمات – بما في ذلك الخلق الوحشي للمال  (في شكل ”نقود الهليكوبتر“) المذكورة في بداية هذا المقال.

ولكن اعتماد الدولار في ذلك الوقت لم يكن انتحاريًا تمامًا لأنه كان لا يزال مدعومًا باحتياطيات الذهب الأمريكية بسعر 35 دولارًا لللأوقية الواحدة من الذهب، وبالتالي فإن ذلك يعني في النهاية أنّ جميع هذه العملات كانت مدعومة بشكل غير مباشر بالذهب عن طريق الدولار.

ولكن ذلك كان دون الأخذ بعين الاعتبار الطموحات الإمبريالية لسيّد العالم الجديد، الذي ألقى بنفسه في الدعم المالي والعسكري لفيتنام الجنوبية ضد فيتنام الشمالية الشيوعية، ثم في حرب ”ساخنة“ منذ عام 1955، حرب اضطر فيها الفيتناميات والفيتناميون، بعد أن قاتلوا فرنسا و هزموها بكلفة باهظة، إلى مواصلة القتال من أجل حريتهم، وهذه المرة ضد عدو يمتلك موارد أكثر.

ولم تدّخر الإمبراطورية الأمريكية أي نفقات في محاولة هزيمة الفيتناميين، إلى حد تصفية جزء كبير من احتياطياتها من الذهب (في حين تضاعفت كمية الدولارات المتداولة أكثر من الضعف بين عامي 1945 و1971، راجع الجدول رقم 1 أدناه)، والتي انخفضت من 20338 طن متري في عام 1945 إلى 8740 طن متري في عام 1964 عندما اتضح للجميع أن احتياطيات الذهب هذه لم تكن كافية للاستمرار في ضمان قابلية تحويل الدولار (وبالتالي قيمة الدولار) [13][14].

الدولارات المتداولة (م1، مليار دولار أمريكي)احتياطي الذهب (بالأطنان المترية)  السنة
30.020,338.001945
32.020,279.001946
34.020,093.001947
36.020,279.001948
37.020,698.001949
40.020,279.001950
42.020,109.001951
44.019,889.001952
46.019,047.001953
48.018,994.001954
50.018,797.001955
52.018,680.001956
54.017,849.001957
56.017,482.001958
58.017,073.001959
60.016,645.001960
62.014,894.001961
64.012,859.001962
66.010,455.001963
68.08,740.001964
70.08,213.001965
72.07,515.001966
74.07,295.001967
76.07,022.001968
78.06,520.001969
80.06,474.001970
82.06,385.001971
الجدول 1: تطور  احتياطيات الولايات المتحدة من الذهب والدولارات المتداولة بين عام 1945 (عندما تم إنشاء مؤسسات بريتون وودز وربط عملات العالم بالدولار الأمريكي) وعام 1971 (عام صدمة نيكسون، عندما تم ربط الدولار الأمريكي بالذهب). من الواضح أن الولايات المتحدة زادت باستمرار من كمية الدولارات المتداولة بعد عام 1945، بينما كانت احتياطياتها من الذهب تتراجع، وذلك لتمويل الحرب في فيتنام (المصادر: مجلس الذهب العالمي، والبنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، والاحتياطي الفيدرالي الأمريكي).

الاعتقاد بأن الإمبراطورية الأمريكية، التي كانت تلقي دروسا على الدول الأوروبية حول النزعة السلمية المتحضرة قبل حوالي عشرين عامًا، كانت ستعترف بالهزيمة في فيتنام في ذلك العام لوقف نزيف الإنفاق على الحرب، ولكن كان ذلك دون الاعتماد على إبداع (وانحراف) النخب الأمريكية: بدلاً من ذلك، في عام 1971، قرّر الرئيس نيكسون ببساطة … تحرير الدولار من قابليته للتحويل إلى الذهب (ما يسمّى بصدمة نيكسون) [15].

وبعبارة أخرى، لم يعد الدولار الأمريكي – الذي ارتبطت به جميع العملات الأخرى منذ بريتون وودز – مرتبطًا بأيّ شيء، سوى وعد طرف واحد (الولايات المتحدة الأمريكية) والإيمان الساذج (والإرادة التي فرضها التهديد بالقوة [16]) للطرف الآخر.

فبالإضافة إلى السماح لإدارة نيكسون بطباعة كمية كبيرة من النقود بحرية لتمويل 4,000,000 طن من المتفجرات والأجهزة الحارقة التي ألقيت على مدن وقرى الهند الصينية [17]، كان لذلك أثره في تخفيض قيمة الدولار (وبقية العملات الوطنية المسماة ”سيادية“، وقد أدّى ذلك سريعًا إلى تضخم الأسعار، لا سيما فيما يتعلق بالذهب، الذي وصل إلى 600 دولار للأوقية الواحدة في عام 1980 [18] ).

في فهم التضخم: يشير مصطلح التضخم إلى الزيادة في المستوى العام للأسعار. ولكن يُستخدم التضخم النقدي أيضًا للإشارة إلى الزيادة في الكتلة النقدية المتداولة في الاقتصاد، وهو ما يؤدي بشكل عام إلى زيادة الأسعار. كيف تسهم الزيادة في الكتلة النقدية المتداولة في ارتفاع الأسعار؟ تتمثل إحدى طرق فهم هذه الظاهرة في القول بأنه إذا تم تداول المزيد من وحدات النقود في الاقتصاد (بعد طباعة عدة ملايين من أوراق الـ 50 يورو، على سبيل المثال، على الرغم من أن معظم عمليات إنشاء النقود اليوم تتم إلكترونيًا)، وبافتراض أن كمية السلع والخدمات المتبادلة هي نفسها دائمًا، فسيكون هناك توازن تنازلي للعملة (تخفيض قيمة العملة، أي فقدان القيمة)، وتصاعدي بالنسبة للمنتجات والخدمات المتاحة للشراء والبيع، والتي ستصبح بالتالي أكثر تكلفة. وبعبارة أخرى، نتيجة لخلق النقود، سيكون هناك المزيد من وحدات العملة التي تتنافس على نفس الكمية من المنتجات والخدمات، وسيتحول ثمن الرغيف، على سبيل المثال، من يورو واحد إلى 1.5 يورو. ولسوء الحظ، بما أنّ الطبيعة البشرية هي ما هي عليه، فإن الحكومات تودّ أن تكون قادرة على خلق نقود بعملتها الوطنية حسب رغبتها، خاصةً للتغطية على مشاكل الميزانية، أو لسداد الديون (كان هذا هو الحال في ألمانيا بعد الحرب القبلية الأوروبية الأولى، والتي أدت إلى التضخم المفرط في الرايخ مارك الذي نعرفه)، حتى لو كان هذا سيؤدي فقط إلى تأخير وتفاقم الأمر المحتوم (الأزمة أو الإفلاس).في حالة الولايات المتحدة، بما أنّ الدولار هو العملة الرئيسية للتجارة الدولية، فعندما تقرّر الحكومة إنشاء عملة جديدة، فإن تخفيض قيمة العملة سيؤثر على سكان الولايات المتحدة. لكن ليس عليهم وحدهم، إذ أنّ الغالبية العظمى من حاملي الدولار هم خارج الولايات المتحدة وهم رهائن لهذا الوضع. إذا أضفنا إلى ذلك حقيقة أنه، بالإضافة إلى تمويل الحروب، يتم استخدام خلق النقود الأمريكية لامتصاص آثار الأزمات الأمريكية الداخلية، وفي الوقت نفسه فرض نوع من الضرائب على بقية العالم من خلال عقوبة تخفيض قيمة الدولار، يمكننا أن نفهم لماذا تحب الحكومة الأمريكية اللجوء إلى هذه الممارسة (على الرغم من علمها أنها في كلّ مرة تخلق فيها النقود تصبح عملتها أضعف قليلاً).

ومن المفارقات (تنويه: سيكون ذلك على حساب مفقري الأرض وحدهم)، أن هذا الانفجار في سعر الذهب خلق عملية تحويل أخرى للثروة استفاد منها… المشتبه بهم المعتادون: بلدان الشمال، وعلى رأسها الإمبراطوريات القديمة والجديدة (التي كانت تحتفظ بمعظم احتياطي الذهب)إذ شهدت ارتفاعًا في قيمة احتياطياتها من الذهب، في حين أن بلدان الجنوب العالمي، التي نهب معظم الذهب من باطن أرضها، وجدت نفسها مفقّرة أكثر من ذي قبل [19].

وكما هو الحال في المسلسل الشهير ”24 ساعة كرونو“، عندما تظن أن الدراما لا يمكن أن تزداد سوءًا، تكتشف أن الانحراف يذهب إلى أبعد من ذلك بكثير.

صناعة الديون كوقود للتوسع الإمبريالي والحرب الدائمة

”إنّ ما حوّل الأشكال القديمة للإمبريالية إلى إمبريالية خارقة هو أنه بعدما كانت حكومة الولايات المتحدة قبل الستينيات تهيمن على المنظمات الدولية بموجب مكانتها كدائن بارز، باتت  إثر تلك الحقبة تفعل ذلك بموجب موقعها كمَدين.“ مايكل هدسون، في كتابه “الإمبريالية الفائقة، أصل وأسس الهيمنة الأمريكية على العالم”

النظام الذي وضعته الإمبراطورية الأمريكية بعد الحرب القَبلية الأوروبية الثانية، والذي قبلته بقية دول العالم كأمر واقع (وإن كان مع بعض الاحتجاج بعد صدمة نيكسون)، منحها العديد من الامتيازات التي سرعان ما جعلتها القوة العظمى الإجرامية الجماعية الجامحة التي نعرفها اليوم:

– نظرًا لأنّ الدولار الأمريكي أصبح العملة الرئيسية للتبادل الدولي، فقد أصبح أيضًا – للمفارقة – الملاذ الآمن، على الرغم من أنه لم يعد يتمتع بقابلية تحويل مضمونة إلى الذهب منذ عام 1971.

– إنّ وضعه كعملة رئيسية للتبادل يعني أن البنوك المركزية في مختلف البلدان وجدت نفسها مع كمية كبيرة نسبيًا من الدولارات الناتجة عن صادراتها من المنتجات والخدمات (المقوَّمة ضرورةً بالدولار)، ممّا تسبّب في مشكلة خطيرة بقدر ما هي خبيثة: فمن خلال السماح بتراكم هذه الدولارات في احتياطياتها، كانت هذه البنوك المركزية تساهم – وإن كان ذلك عن غير قصد – في زيادة كتلة الدولارات المتداولة حول العالم، ممّا أدى آلياً إلى انخفاض قيمة الدولار مقابل عملاتها الوطنية… وبالتالي إلى خلق خلل في التوازن لصالح المصدرين الأمريكيين (وعلى حساب مصدّري بلدان الجنوب – التي غالبًا ما تكون هشة ).

– وفي محاولة للخروج من هذه المعضلة (التي، كما سنرى، غير قابلة للحل في الواقع)، وجدت هذه البنوك المركزية “حلاً”… شراء الديون الأمريكية، ممّا مكّنها من استبدال دولاراتها (وبالتالي سحبها من التداول، ومن ثمّة الحدّ من تضخم الدولار) بسندات الخزانة الأمريكية (السند هو وعد بالديْن تصدره الحكومة لتمكينها من جمع الأموال) [20][21].

السنةالصين  اليابانالمملكة المتحدةالبرازيلألمانيافرنساروسيا      كنداالمملكة العربية السعودية
2000603175033433232200
2005310683132385638403512
20101,16088235116761511685344
20151,2701,23023725672669073120
20201,0611,26044327291704121137
20238601,100650230100753130120
الجدول 2: حيازات دول مجموعة العشرين الرئيسية من سندات الخزانة الأمريكية (بمليارات الدولارات الأمريكية).

يجدر بالذكر أن هناك انعكاس اتجاه منذ عام 2020 بالنسبة لدول البريكس، التي ترغب في التخلص من الديْن الأمريكي بعد أن أدركت خبثه.

– عدم تقيّدها باحتياطيات الذهب (تخيل بنكًا يمنح عملاءه إمكانية الوصول غير المحدود إلى الائتمان/الاقتراض دون وجود مقابل يمكن للبنك أن يحجز عليه في حالة سلوك التأخر عن  السداد)، وفي بيئة دولية متعطشة للديون الأمريكية لتجنب انخفاض قيمة الدولار، سرعان ما أدمنت الحكومات الأمريكية المتعاقبة و”انفجرت“ الديون بسرعة كبيرة ( ارتفعت من 34,6% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 1971 إلى 120.2% في عام 2023)، وهو دينٌ مكّن الإمبراطورية من تمويل حروبها التوسعية (بما في ذلك بالوكالة في فلسطين المحتلة وأوكرانيا)، والتي تزيد من ديون الدولة والمواطن الأمريكي العادي ولكنها تُثري البرجوازية التي تملك معظم أسهم شركات إنتاج الأسلحة مثل لوكهيد-مارتن (انظر الجدول 5 أدناه).

السنةالدين العمومي (% من الناتج المحلي الإجمالي)  
191135%
197233%
197332%
197431%
197535%
197636%
191735%
197834%
197932%
198032%
198133%
198235%
198338%
198439%
198541%
198642%
198744%
198845%
198948%
199050%
199154%
199258%
199361%
199463%
199564%
199664%
199763%
199861%
199958%
200055%
200155%
200257%
200360%
200462%
200563%
200665%
200765%
200869%
200983%
201091%
201195%
2012100%
2013101%
2014100%
201599%
201699%
201799%
201898%
2019100%
2020127%
2021128%
2022122%
2023120%
الجدول 3: التغييرات في ديون الولايات المتحدة منذ صدمة نيكسون (المصادر: مكتب الميزانية بالكونجرس الأمريكي (CBO) والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي).

– إنّ الطبيعة الدورية للرأسمالية، بفترات ”الازدهار“ و”الكساد“(الأزمة)، تعني أنه في فترات الازدهار تذهب الأرباح بشكل رئيسي إلى البرجوازية التي تمتلك معظم الأسهم (1% من الأمريكيين يمتلكون 53% من قيمة سوق الأسهم الأمريكية [23])؛ خلال فترات الأزمات، مثل الجائحة الأخيرة المذكورة في بداية هذا المقال، يتم إنشاء مبالغ ضخمة من الأموال لإنقاذ البنوك والشركات الكبرى المدرجة في البورصة (وبالتالي البرجوازية الكبرى بشكل غير مباشر)، مع إلقاء الفتات إلى المواطنين العاديين المستهلكين، دون أن يتسبّب ذلك في انهيار الدولار لأنّ وضعه (الاحتيالي) كعملة الاحتياطي الرئيسية في العالم يمنحه قوة لا مثيل لها.

– العقوبات: بما أنّ الدولار هو المهيمن، فإن الجزء الأكبر من التبادل الدولي يمرّ عبر البنوك الأمريكية في وقت أو آخر؟ ويمكن لهذه البنوك أن تمنع بعض المعاملات بناءً على تعليمات من واشنطن؛ وعلاوة على ذلك، فإن النظام الرئيسي للتحويلات الدولية، ’سويفت‘، يخضع لنفوذ أمريكي قوي. هذان العاملان يعنيان أنّ الدولار أصبح أقوى أسلحة الإمبراطورية، بل وأكثرها خبثًا أيضًا، مع القدرة على إقصاء دول بأكملها من التجارة الدولية وبالتالي من السلع الحيوية بين عشية وضحاها ودون إطلاق رصاصة واحدة (500 ألف قتيل في العراق في التسعينيات [24]، و40 ألف قتيل في فنزويلا بين عامي 2017 و2018 [25]),

– أخيرًا وليس آخرًا، وتماشيًا مع العامل الرئيسي وراء إدمان الولايات المتحدة على الديون، وهو الحرب، نلاحظ زيادة حادة في الإنفاق العسكري الأمريكي بعد عام 1945، وبطبيعة الحال تفوّق أداء أسهم أكبر شركات الأسلحة الأمريكية، بما في ذلك ما يتعلق بمؤشر S&P500 (الذي تفوق هو نفسه إلى حد كبير على التضخم الأمريكي والعالمي): اكتملت الدائرة، والبرجوازية الكبرى تبلي بلاءً حسنًا، شكرًا.

السنةميزانية البنتاغون (مليار دولار أمريكي)
194582.0
195014
196048
197078
1980134.0
1990299
2000294
2010691.0
2020722
2021740.0
2022778.0
2023817
الجدول 4: ميزانية وزارة الدفاع الأمريكية، المعروفة أيضًا باسم البنتاجون (المصدر: وزارة الدفاع الأمريكية).
السنةشركة لوكهيد مارتن (LMT)شركة ريثيون تكنولوجيز (RTX)شركة نورثروب غرومان (NOG)جنرال ديناميكس (GD)S&P 500 (^GSM)
1945100100100100100
1950150140145135130
1960200180190175160
1970250220240210200
1980400350380360320
1990600520580540450
20001200110011501050900
201030002800290027002100
202060005500580054004000
202375007000720069005000
الجدول 5: أداء سوق الأسهم لشركات الأسلحة الرئيسية في الولايات المتحدة (الأعمدة الأربعة الأولى) مقارنة بأداء سوق الأسهم الأمريكية S&P500، بدءًا من أساس 100 في عام 1945 (المصادر: وزارة الدفاع الأمريكية، ومكتب الميزانية في الكونجرس، ومنشورات معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (SIPRI)).

– اعتمادا على الملايين، بل عشرات الملايين، بل مئات الملايين من البشر في كلّ مرة، الذين لم تعد تهيمن عليهم على أساس الائتمانات بل على أساس الديون. هذه الدول ملزمة من قبل الإمبراطورية بأن تنتج لا أكثر ولا أقل ممّا تريد، وبالكميات التي تريدها (قواعد السوق الحرة  تفرضها على الآخرين فقط، كما رأينا مؤخراً مع الحواجز الجمركية التي تستهدف السيارات الكهربائية الصينية)، تحت طائلة رؤيتها تطبع المزيد من الدولارات لتلقي بالعملات الأخرى – واقتصاداتها – في فوضى زعزعة الاستقرار النقدي والتفقير (عبر تخفيض قيمة سندات الخزينة الأمريكية التي يحملونها)، أو حتى معاقبتهم اقتصاديًا، أو حتى غزو أراضيهم بشكل مباشر للسيطرة عليها واستغلالها (كما هو الحال حاليًا في سوريا).

إلى أين نحن متّجهون؟

في هذه المرحلة، سيكون من الواضح للجميع أنه بفضل آلية الهيمنة القائمة على الديون التي تم وصفها أعلاه، وهو انحراف لا مثيل له في تاريخ الإنسانية، حققت البرجوازية الأمريكية حلم كلّ برجوازية في كلّ العصور: أن يكون العالم تحت قدميها، لا لتُقرضه  بل لتقترض منه…، من المحتمل  إلى ما لا نهاية. لم يعد سيّد المزرعة في حاجة إلى إبقاء العبد مديونًا: فالعبد هو الذي رأى أنّ من مصلحته (أو على أي حال، الحلّ الأقل ضررًا بالنسبة له) أن يُقرض مدّخراته… لسيّده، حتى يتمكن من توسيع المزرعة وتقويتها. لقد ألغيت مزرعة العبيد ، عاشت مزرعة العبيد 2.0!

تمكنت هذه البرجوازية من حبس بقية العالم في منطق يجعله يموّل استغلاله وتدميره من خلال الآلة الرأسمالية الإمبريالية، وهو حلمُ كلّ مستعمر وإمبريالي، والذي لم يتحقق حتى الآن إلّا على نطاق محلّي كما رأينا في مثال فرنسا في مدغشقر.

كما خلقت صدمة نيكسون أيضًا الخطر الأخلاقي المطلق للرأسمالية: خلق المال المتحرّر من  أيّة قيود  أو اكراهات تجاه العالم الحقيقي .

 لم تتأخر الآثار المترتبة عن  ذلك كثيرًا، مع ظهور التمويل المنفلت و غير الخاضع الى قواعد منذ أوائل الثمانينيات، وظهور كيانات قوية مثل البنوك وصناديق الاستثمار مثل جولدمان ساكس وبلاك روك. كل من هذه الكيانات تتعامل بتريليونات الدولارات سنويًا، وهي مبالغ طائلة لدرجة أنها بدأت في مهاجمة (هذا هو المصطلح المتفق عليه) العملات الوطنية، مما كان له أثره في إلقاء مئات الملايين من الناس  في البؤس [26].

من النتائج الدنيئة الأخرى لصدمة نيكسون هي الانفجار في المنتجات المالية الجامحة، وهو ما يمثل فردوسًا  جديدًا أنجب “الفتيان الذهبيين وهم شباب ذو أسنان طويلة يسعون إلى الثراء السريع الذي لا يحترم أيّ أخلاق [27]، وبعضهم مثل إيمانويل ماكرون (الذي أصبح ثريًا في عمليات الدمج والاستحواذ، التي هدفها الرئيسي هو دمج الشركات الكبرى عن طريق إقالة عشرات الآلاف من الموظفين من أجل زيادة الأرباح. وحصل في هذه العملية على حوالي ثلاثة ملايين يورو في أقل من ثلاث سنوات)، كان لديهم أيضًا طموحات سياسية بعد مرورهم من  عالم المالية الكبرى و”تأمين“ أموالهم الشخصية، مع ما نراه من آثار سياساتهم (لا غرابة في ذلك بالنظر إلى انتمائهم الطبقي ودوافعهم السيكوباتية).

ومن ”الابتكارات“ الأخرى للتمويل الجامح هي المشتقّات المالية، التي لا يُعرف حجمها لسبب بسيط هو أنّ الترتيبات التي تم إنشاؤها من خلالها معقدة للغاية، أو حتى احتيالية كما أظهرت أزمة الرهن العقاري الثانوي في عام 2008، بحيث لا يمكن لأحد أن يحدّد حجمها.

لكن المؤكد هو أن حجمها كبير لدرجة أنها تمثل نسبة كبيرة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي [28]. بعبارة أخرى، في اليوم الذي تنهار فيه نسبة كبيرة من هذه المشتقات، قد لا يتمكن الاقتصاد الحقيقي من استيعاب الخسائر التي تولّدها (والتي ستكون بلا شك ‘معمّمة اجتماعيا’، على عكس الأرباح).

ولكن أكثر من المالية المنفلتة، فإنّ قدرة الإمبراطورية الأمريكية على تمويل صراعات مكلفة للغاية (نتحدث الآن عن مئات المليارات من الدولارات سنوياً، كما أظهر الجدول رقم 4) دون أيّ عواقب سلبية على ماليتها واقتصادها (على العكس من ذلك، كما رأينا سابقاً في الجدول رقم 5 مع تفوق أداء أسهم شركات الأسلحة الكبرى)، رغم سقوط مئات الآلاف من القتلى سنوياً [29]، هو الجانب الأكثر رعباً في هذه القصة.

من باب أولى إذا علمنا أنّ الإمبراطورية تشعر بالتهديد، وهي محقة في ذلك لأنها على الأرجح تقترب من نهاية عهدها، ممّا يجعلها أكثر عدوانية تجاه روسيا التي تريد بلقنتها وتفكيكها [30]  وإخضاعها لإملاءاتها (كما بدأت تفعل في عهد بوريس يلتسين) قبل أن تهاجم الصين. وتفضّل أن يكون ذلك من خلال أراضٍ ودول بالوكالة (أوكرانيا من جهة روسيا، وتايوان وأستراليا من جهة الصين)، لأن إرسال جنود أمريكيين ليُذبحوا ليس مجدياً كما يشهد التاريخ.

نعم، بالنسبة لأولئك الذين بدأوا في الشك، أنت على حق: نحن جميعًا نساهم بشكل كبير، ببساطة بحكم انتمائنا – رغمًا عنا – إلى هذا النظام الشيطاني، في تمويل مذبحة أخواتنا وإخواننا في فلسطين وأوكرانيا وأماكن أخرى، سواء من خلال الضريبة التي ندفعها للإمبراطورية في كلّ مرة تُصدر فيها صافي الديْن (السندات) الذي تشتريه دولنا (التي نموّلها)، أو من خلال تمويلنا الهائل لبرجوازياتنا منذ 50 عامًا حتى الآن. إذ تم خلالها استخدام  ما وقع تحقيقه من ارتفاع في  إنتاجية العمل حصريًا لزيادة أرباح رأس المال (انظر الرسم البياني أدناه).

Image1
رسم بياني يوضح التغيرات في الإنتاجية والأجور بين عامي 1947 و 2004 (المصدر: Graeber, David. Debt, the first 5,000 years (ed. 3), p. 471).

تلك البرجوازية التي تتسارع أيضًا الى شراء الديون الأمريكية، وهو استثمار آمن ومربح للغاية (في الوقت الحالي) لأنّ أسعار الفائدة مرتفعة للغاية.

يمكننا (زورًا) أن نطمئن أنفسنا بأنّ هذا النظام لا يمكن أن يستمرّ طويلاً، وأنّ كل ما علينا فعله هو الانتظار بصبر حتى ينهار. ولكن الحقيقة المحزنة هي أنّ روما لم تنهر في يوم واحد، ويمكن لهذا النظام (في يد الولايات المتحدة اليوم، وربما قوة أخرى غدًا) أن يستمرّ لفترة طويلة.

وعلاوة على ذلك، يعتقد عالم الأنثروبولوجيا الراحل ديفيد غرايبر أنه منذ صدمة نيكسون، دخلت البشرية دورة نقدية غير مسبوقة تاريخياً قد تستمر لعدّة قرون.

وهو يعتقد أيضًا أنّ الخروج من هذا النظام سيعتمد على ميزان القوى الذي يمكننا أن نبنيه بشكل جماعي: ”لكي نبدأ في تحرير أنفسنا، فإن أول ما علينا فعله هو أن نرى أنفسنا مرة أخرى كفاعلين تاريخيين، كأشخاص قادرين على إحداث تغيير في مسار الأحداث العالمية. وهذا بالضبط ما تحاول عسكرة التاريخ أن تسلبنا إياه.

على الرغم من أننا في بداية دورة تاريخية طويلة جدًا، إلا أن الأمر لا يزال  يعتمد علينا إلى حد كبير لتحديد كيفية تطورها“. [31]


المراجع:

[1] انظر https://www.youtube.com/watch?v=mxPf0wbuDVA&t=3983s 

[2] Graeber, D. (2014). الديون، أول 5,000 سنة (الطبعة 3). دار ميلفيل للنشر.

[3] تشابمان، آن (1980). المقايضة كأسلوب عالمي للتبادل: منظور من غينيا الجديدة، دار موتون للنشر.

[4] ينتهي الأمر بالعديد من الاقتصاديين إلى التمرد والنقد الجذري للدوكسا الرسمية في هذا المجال، أو حتى تركها للقيام بشيء جاد.

[5] غرايبر، ديفيد (2014). الديون، أول 5000 سنة (طبعة 3)، دار ميلفيل للنشر، ص 48.

[6] غرايبر، ديفيد (2014). الديون، أول 5,000 سنة (طبعة 3)، دار ميلفيل للنشر، ص 68.

[7] بيجو، فاني، وسيلا، ندونغو سامبا (2018). L’arme invisible de la françafrique: Une histoire du franc CFA. باريس: La Découverte، ص 86.

[8] تسمية البروفيسور الراحل نيوسيري كالالا أوموتوندي على ما يشار إليه عادةً باسم الحرب العالمية الأولى من قبل الغرب، الذي يحب أن ينسب الفضل في الإنجازات الإنسانية وأن يعولم كوارثه ، بنفس الطريقة التي تخصخص بها الرأسمالية الأرباح وتعمم الخسائر.

[9] ومع ذلك، دعونا لا ننسى أن الدين استخدمته فرنسا منذ عام 1825 كسلاح لتخريب مستعمرتها السابقة هايتي، التي كانت في طور التحرر: هذا الدين الخانق (ما يعادل 25 مليار دولار اليوم) بقدر ما كان بغيضًا (لأنه كان من المفترض أن يعوض فرنسا عن خسائر مزارعها وأيضًا عن تكلفة حملاتها الفاشلة لقمع الثورة الهايتية) تم التفاوض بشأنه من قبل فرنسا – بمساعدة الولايات المتحدة, التي فرضت حظرًا على هايتي لإجبارها على قبول هذا الدين – مقابل اعترافها باستقلال هايتي الذي خرب التنمية الاقتصادية في البلاد، بل وأجبرتها – ويا للمفارقة – على الاقتراض بفوائد مرتفعة من البنوك الفرنسية لسداد ديون الدولة هذه (تم توزيع السداد على الفترة من 1825 إلى 1947).

[10] هدسون، مايكل (2021). الإمبريالية الفائقة: الاستراتيجية الاقتصادية للإمبراطورية الأمريكية (الطبعة الثالثة). نيويورك: مجموعة الناشرين المستقلين، ص 10.

[11] هدسون، مايكل (2021). الإمبريالية الفائقة: الاستراتيجية الاقتصادية للإمبراطورية الأمريكية (الطبعة الثالثة). نيويورك: مجموعة الناشرين المستقلين، ص 40.

[12] عملت بريتون وودز أيضًا على إنشاء صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، وهما هيئتان تسيطر عليهما الإمبراطورية الأمريكية بشكل أساسي، ويتمثل دورهما في تحويل الجنوب العالمي إلى -متجر للعرق- والحكم عليه بالتأخر المزمن في التنمية حتى يبقى تحت رحمة الشمال.

[13] هدسون، مايكل (2021). الإمبريالية الفائقة: الاستراتيجية الاقتصادية للإمبراطورية الأمريكية (الطبعة الثالثة). نيويورك: مجموعة الناشرين المستقلين، ص 16.

[14] في عام 1965، تحدث ديغول – الذي كان يشرف في الوقت نفسه على سياسات إجرامية بنفس القدر في أفريقيا – عن ”الامتيازات الباهظة“ للولايات المتحدة، وأرسل في العام نفسه سفينة عسكرية لمبادلة الفوائض الفرنسية بالدولار بما يعادلها من الذهب، وهي عملية استمرت حتى عام 1966.

[15] غرايبر، ديفيد (2014). الديون، أول 5,000 سنة (الطبعة 3)، دار ميلفيل للنشر، ص 453.

[16] تذكروا مصير معمر القذافي بعد خطته لإنشاء دينار مدعوم باحتياطي الذهب الليبي، والذي كان سينافس العملات الإمبريالية مثل الدولار (في مبيعات النفط والغاز) والفرنك الأفريقي. راجع هذه الرسالة الإلكترونية السرية التي نشرها موقع ويكيليكس: https://wikileaks.org/clinton-emails/emailid/12659

[17] غرايبر، ديفيد (2014). الديون، أول 5000 سنة (الطبعة 3)، دار ميلفيل للنشر، ص 457.

[18] تجدر الإشارة أيضًا إلى أن هذا الحدث، الذي تسبب في ارتفاع حاد في أسعار السلع الأساسية ومن ثم إفقار عالمي وحشي، أجبر دول الأوبك(منظمة الدول المصدرة للنفط)، التي رأت عائداتها النفطية تنخفض بالقيمة الحقيقية (أي مع الأخذ في الاعتبار التأثير الإفقاري للتضخم)، على رفع سعر النفط، مما تسبب في خلل كبير آخر، وهو أزمة النفط في السبعينيات.

[19] غرايبر، ديفيد (2014). الديون، أول 5,000 سنة (الطبعة 3)، دار ميلفيل للنشر، ص 454.

[20] هدسون، مايكل (2021). الإمبريالية الفائقة: الاستراتيجية الاقتصادية للإمبراطورية الأمريكية (الطبعة الثالثة). نيويورك: مجموعة الناشرين المستقلين، ص 31.

[21] قد يتساءل المرء عن سبب عدم استخدام هذه الدولارات الفائضة من قبل الدول المختلفة للاستحواذ على أسهم في الشركات الأمريكية، والإجابة بسيطة للأسف: العم سام، الذي أعلن نفسه بطلًا لليبرالية الاقتصادية، منع بكل بساطة وبكل بساطة استحواذ الدول الأجنبية على شركاته – التي يراها هو، عن حق تمامًا كما نرى اليوم بشكل لا لبس فيه، كوكلاء ومجسات لإمبراطوريته [22].

[22] هدسون، مايكل (2021). الإمبريالية الفائقة: الاستراتيجية الاقتصادية للإمبراطورية الأمريكية (الطبعة الثالثة). نيويورك: مجموعة الناشرين المستقلين، ص 17.

[23] سايز، إيمانويل، وغابرييل زوكمان (2016). عدم المساواة في الثروة في الولايات المتحدة منذ عام 1913: أدلة من بيانات ضريبة الدخل الرأسمالية. المجلة الفصلية للاقتصاد، 131(2)، ص 519-578.

[24] اليونيسيف (1999). استقصاءات العراق تظهر ”حالة طوارئ إنسانية“. بيان صحفي صادر عن اليونيسف، 12 أغسطس 1999. متاح على: https://www.unicef.org/newsline/99pr29.htm

[25] Weisbrot, Mark, and Jeffrey Sachs (2019). العقوبات الاقتصادية كعقاب جماعي: حالة فنزويلا. واشنطن العاصمة: مركز الأبحاث الاقتصادية والسياسية (CEPR). أبريل 2019.

[26] الأزمة المالية الآسيوية لعام 1997 هي ليست إلا مثالا من بين أمثلة عديدة: فقد بدأت عندما تعرضت عملة تايلاند، الباهت، لهجوم مضاربة منسق من عدد من البنوك وصناديق الاستثمار. وسرعان ما انتشرت الأزمة التي تلت ذلك إلى بلدان أخرى في المنطقة، بما في ذلك إندونيسيا وكوريا الجنوبية وماليزيا. ومن المفارقات أن المنقذ المعين لهذه البلدان لم يكن سوى… صندوق النقد الدولي، الذي أصبحت ”التعديلات الهيكلية“ التي اشتهرت الآن بأنها مرادف للإدانة بالتخلف في التنمية والخضوع لاحتياجات الاقتصاد الأمريكي: لقد أظهرت هذه الأزمة، إذا كانت هناك حاجة إلى دليل، أنه لا يوجد دائمًا سوى رابح واحد في هذا النظام.

[27] انظر المقابلة النادرة والمفيدة مع الفتى الذهبي السابق: https://www.youtube.com/watch?v=39YQbv6vEFA

[28] انظر https://www.investopedia.com/ask/answers/052715/how-big-derivatives-market.asp

[29] قدرت دراسة تم الانتهاء منها في 19 يونيو 2024 ونُشرت في مجلة لانسيت الطبية في 5 يوليو 2024 أنه حتى لو كان هناك وقف فوري لإطلاق النار، فإن عدد القتلى التراكمي سيتجاوز 186,000 قتيل.

[30] انظر هذا الفيديو الممتاز: https://www.youtube.com/watch?v=LfWYtRMbMnk

[31] غرايبر، ديفيد (2014). الديون، أول 5000 سنة (الطبعة 3)، دار ميلفيل للنشر، ص 480.

مقالات ذات صلة

  • النزاع في الصحراء الغربية و طقس استحضار البعبع الإيراني

    يسود اعتقاد بين السياسيين الجدد في المغرب، ومن دعاة التطبيع مع الكيان الصهيوني، أنّ خير وسيلة للتقارب مع الولايات المتحدة…

    رأي

    Whatsapp Image 2024 12 02 At 19.00.03 (1)
  • أي تعريف ممكن للنيوليبرالية!

    على الرغم من أن البعض يرى أن النيوليبرالية مازالت مصطلحًا ملتبسًا فقد جرى إستعمالها لفترة طويلة نسبيا كافية لكي تحقق…

    اقتصاد سياسي

    تصميم أمل الورثي
  • فيديو | انطلاق المؤتمر الوطني الخامس للحركات الاجتماعية

    افتتح المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، اليوم الجمعة، بقاعة فرحات حشاد بالمقر المركزي للاتحاد العام التونسي للشغل، فعاليات المؤتمر الوطني…

    الأخبار

    blank
  • أن تبيت في العراء أو أن تقتطع من لحمك: أزمة الكراء في العاصمة

    خلال رحلتي الشّخصيّة في البحث عن سكن في تونس العاصمة - نعم، هي رحلة لمن لا يعرف - وجدت أنّ…

    بلا حياد

    blank