بقلم ريم الشعباني
“كأننا عشرون مستحيل في اللّد
والرّملة والجليل هنا…
على صدوركم باقون كالجدار
وفي حلوقكم كقطعة الزّجاج،كالصّبّار وفي عيونكم زوبعة من نار”.
وسط مشاهد ألسنة نار الغضب الّتي تلتهم كل ما يعترض سبيلها وأثناء عمليّات إجلاء عائلات بأكملها من المستوطنين.وسط هتافات “بالرّوح والدم نفديك يا أقصى” الّتي امتزجت بأهازيج تشييع عرس الشّهيد.وعند وصول مواكب سيارات شباب القدس ليردوا النصرة بالنصرة، يبدو وكأنّ الحكيم “جورج حبش” يبعث من جديد ليقف مكان بيته الذي تعمد الاحتلال هدمه من دون كل المنازل المحيطة به أو في قلب المدينة المحررة ولو لليلة أو ساعات فخورا بالثّأر لمئات تمت إبادتهم وآلاف هجروا في مجزرة ال48، معتزًّا بالتّمرّد على قيود النّكبة بال67،مطمئنّا بأن الهويّة عادت لتنتصر رغم مخطّطات “الأسرلة” ومحاولات الطّمس والتزييف.
ممنوع يصير رفع علم غيرو قديش صرلي ما ماسكة علم فلسطين بأيدي
هكذا صرخت شابّة فلسطينيّة بعد أن قام عدد من الفلسطينيين بإزاحة علم الاحتلال وإعلاء علم فلسطين في قلب مدينة اللّدّ المحتلّة.جاءت هذه الحركة بعد إصابة الشّابّ “موسى حسّونة” برصاص أحد المستوطنين و استشهاده.كانت تلك اللّحظة الفارقة التي حوّلت مظاهرات التّضامن مع المقدسيّين إلى موجة غضب عارمة أتت على الأخضر واليابس.
لم يكف الاحتلال والمستوطنين مهاجمة مسيرة المتضامنين والمتضامنات مع المرابطين والمرابطات بالأقصى واستعمال القوة في محاولة لتفريقهم وقمعهم ولم يكفهم إزهاق روح موسى بل لاحقوا جنازته بالغاز المسيل للدموع والقنابل الصوتية والرصاص المطاطي .
إعلان الطّوارئ لأوّل مرة منذ سنة 1966
بعد أن أعلن رئيس بلديّة اللّدّ عن خروج الأوضاع في المدينة عن السّيطرة توجّه لنتنياهو بطلب التّدخّل العاجل وإرسال الجيش.
أما نتنياهو فقد تنقّل إلى المدينة معلنا استجابته لطلب رئيس البلدية إضافة إلى إعلانه حالة طوارئ مرفوقة باستقدام عدد من فرق شرطة الحدود التّابعة للاحتلال.كما وجّه رسالة تبدو في ظاهرها دعوة إلى الهدوء.ولكنّها مشحونة في مضامينها بالوعيد و التّهديد.
على رأسها اللّد التي اصبحت الآن قبلة لكل المدن والقرى التي تهب لشد أزرها، مدن الداخل المحتل تصنع هبة هووية نوعية
قرار إخلاء حيّ الشّيخ جرّاح وهرسلة متساكنيه، الإعتداء على حرمة المسجد الأقصى، إعتقالات الشباب والشّابّات، التّعنيف والتنكيل، القنابل الصوتيّة والهراوات والرّصاص المطاطي والغاز الذي غطى سماء القدس؛ كلها عوامل لم تدفع فقط أهالي اللد إلى التّمرد بل مختلف مدن وقرى ال 48.
ففي الرملة السباقة في شد أزر توأمها،أحرق الشّبان عشرات السّيارات للمستوطنين الذين تم إخلاء العشرات منهم خوفا على حياتهم.
أم الفحم لم تستثن نفسها من الاشتباكات ودفعت ضريبة ذلك في شكل استهداف لمحلّات الفلسطينين وتحطيمها كذلك حيفا المحاصرة وبالأخصّ حيّ الألمانية والحيّ الشّرقيّ بالناصرة ، مواجهات واعتداءات تواصلت على مدى خمسة أيام متتالية.
أما عن عكا، فقد أضرم المحتجّون النار بأحد المطاعم وفندقا ردا على تفريق مسيرة تضامنهم مع الأقصى بالقوة وكلفهم ذلك مداهمات للبيوت وتصفيات جسدية نظمتها عصابات منظمة من المستوطنين المتطرّفين تحت حماية السلطات الصهيونية وبعلم منها تماما مثل علمها بقطاع الطرق التي هاجمت سيارات الفلسطينيين في مختلف الأماكن بالداخل. ممّا يعود ليؤكّد للمرّة الألف أنّ هذا الكيان الصهيونيّ هو كيان عنصريّ فاشي تصفوي بإمتياز وليصفع قطعان التطبيع والتطبيل للسلام والمؤسسات وتطور البحث العلمي والديمقراطية المثالية بخياناتهم وعمالتهم على وجوههم.
ولئن كانت المعادلة العسكريّة الجديدة الّتي فرضتها فصائل المقاومة الفلسطينيّة ثابتة ولا غبار عليها من خلال الرّشقات الصّاروخيّة التي هزّت تل أبيب وعسقلان وذلك ردّا على القصف الصّهيوني للمساكن والمباني في استهداف مباشر للمدنيين؛ فإن الهبة الهووية التي قامت بها مدن الداخل وعلى رأسها اللد نوعية ولا غبار عليها أيضاً في نفس سياق إرباك العدو وإجبار كل حساباته ومشاريعه التّوسّعيّة الإستيطانيّة على العودة خطوة إلى الوراء أمام مارد تمسّكِ كل الفلسطينيين بكامل فلسطينيتهم،رغم مؤشرات الشروع في تطهير عرقي جديد ورغم دقة وخطورة السيناريوات المفتوحة على حروب الشوارع والرصاص الحي والترويع والمداهمات والإعتقالات والإستشهاد وتواطئ الكيان شرطة ومسؤولين.كذلك الآن لا يمكن أن نتحدث فقط عن “قدس في قلب غزة” و “غزة في قلب القدس”، الآن نرى على حد تعبير الفلسطينيين” فزعة” الكل للكل، و نرى عائلات تخرج من تحت الأنقاض متضررة أو مصابة في أحد أفراد عائلتها و لكنها تهتف باسم المقاومة و تطالبها بالاستمرار وعدم التراجع في الرد على العدو.
إهداء
“إلى كل من طبع وإلى كل من سيطبع
إلى كل من تجرأ وأعلن ومن لا يزال متخفيا
إلى كل من أسقط قوانينا تدين هذا الكيان وتجرم الاعتراف به والتعامل معه
إلى كل من استقبلهم بالأحضان وكرمهم
إلى كل من تقاضى أجرا ليبيضهم إلى كل من زودهم بالقليل وبالكثير إلى العملاء وباعة الأوطان
إلى كل من خاناملؤوا عيونكم جيدا من صور الدمار والأنقاض لا تغمضوها أمام صور جثث الأطفال المتفحمة وأشلائهم عبثا،
ستلاحقكم لعنتها لا مفرفأنتم لستم مجرد شاهدي زور على الجريمة
،أنتم أداة الجريمة.”