قضت أمس المحكمة الابتدائية ببن عروس بالسجن ستة شهور (مع عدم النفاذ العاجل) في حقّ غسان بن خليفة، منسق تحرير موقع انحياز، في القضية المتعلقة بتهمة “الإساءة للغير على شبكات التواصل الاجتماعي” بناء على تقرير أمني زعم أنّ لبن خليفة صلة بصفحة تُدعى “البركان التونسي”. هذا في انتظار مثوله يوم 5 أفريل المقبل أمام المحكمة الابتدائية في تونس في القضية الثانية المتصلة بنفس الموضوع بتهم “المشاركة في وفاق إرهابي” و”ارتكاب أمر موحش في حق رئيس الجمهورية”.
ويبدو أنّ القاضي لم يقتنع بمضمون مرافعات محاميي هيئة الدفاع الذين أوضحوا تهافت التهمة الموجّهة إلى بن خليفة بالنظر إلى ما أثبتته الأبحاث المجراة من الوحدة الوطنية للبحث في الجرائم الارهابية من انعدام صلته بتلك الصفحة ، وفي ظلّ إيقاف صاحبها الذي اعترف بأنّه المشرف الوحيد عليها وأنّه لا يعرف زميلنا. كما شكّكوا في دقّة التقرير التقني الأمني الذي لم يوضح كيف توصّل إلى إقامة الصلة المزعومة بين تلك الصفحة وبين رقم هاتف بن خليفة. كما قدّم المحامون ما يثبت أنّ زميلنا كان في التوقيت المزعوم لعملية الرصد التقني متصلا بحسابه على فيسبوك من خلال عنوان IP مختلف تماما عن ذلك الوارد في التقرير التقني الأمني.
ويعود أصل الموضوع إلى يوم 6 سبتمبر 2022، عندما وقع إيقاف بن خليفة من أمام منزله، ثمّ تفتيش بيته وبيت والديه وحجز حاسوبه (إضافة لحاسوب والده) وهاتفيْه، واقتياده إلى منطقة الأمن الوطني بالقرجاني حيث وقع إعلامه أنّه محلّ شبهة إثر ورود شكاية من المدعو معزّ الحاج منصور ضدّ صفحة تُدعى “البركان التونسي” نشرت مواد مسيئة له ولعائلته. وفي نفس اليوم قررت النيابة العمومية بالقطب القضائي لمكافحة الإرهاب توجيهه للبحث أمام الوحدة الوطنية للبحث في جرائم الإرهاب بثكنة العوينة على خلفية وجود منشورات ذات طابع تكفيري في تلك الصفحة.
وإثر تفتيش محتويات حاسوبه وهاتفيه لم يجد تقنيو الوحدة الوطنية أيّ شيء يشير إلى علاقة ما لبن خليفة بتلك الصفحة من قريب أو بعيد. وبعد أن قرّرت النيابة العمومية الاحتفاظ به على ذمة البحث لمدّة خمسة أيام، وقع إيقاف المدعو م. الجوادي (الذي يشرف على مجموعات فيسبوك مرتبطة بتلك الصفحة)، الذي اعترف بأنّه صاحب تلك الصفحة والمشرف الوحيد عليها، كما اعترف بأنّه من نشر تلك المواد محلّ الاتهام وأنّه لا يعرف البتة بن خليفة. وعليه قرّرت قاضية بالنيابة العمومية لقطب مكافحة الارهاب الإفراج عن زميلنا يوم 11 سبتمبر، كما مكّنته من استرجاع أجهزته المحجوزة، مع إبقائه على ذمة التحقيق. كما تقرّر إيداع المتهم الثاني بالسجن في انتظار مثوله أمام المحكمة.
بعد حوالي شهر ونيف وقع استدعاء بن خليفة أمام قاضي التحقيق بالمكتب عدد 23 بالقطب القضائي لمكافحة الإرهاب، الذي استمع إلى أقواله. إلّا أنّه طلب من جديد حجز الأجهزة الالكترونية لإجراء اختبارات تقنية إضافية عليها. في شهر مارس 2023، قرّرت وزيرة العدل عزل قاضي التحقيق المكلّف بالملفّ. بقي المكتب مغلقًا طيلة شهور طويلة قبل أن يقع تعويض القاضي في شهر نوفمبر المنقضي. جرى عندها استدعاء بن خليفة من جديد لإجراء مكافحة مع المتهم الثاني، وقد كرّر الأخير أقواله بخصوص ملكيته للصفحة وعدم معرفته بزميلنا، فيما أوضح بن خليفة من جديد أن لا علاقة له بهذه الصفحة التي تتناقض تماما مع قناعاته الفكرية والسياسية. ورغم عدم وجود أيّ عناصر جديدة تدين زميلنا، ومن دون إجراء الاختبارات الإضافية التي سبق أن قرّرها سلفه، قرّر القاضي الإبقاء على زميلنا في حالة متهّم. ثمّ أحال الملفّ، الذي أضاف إليه تهمة “إرتكاب أمر موحش في حق رئيس الجمهورية”، إلى الدائرة الجنائية الخامسة بالمحكمة الابتدائية بتونس، التي عيّنت مؤخّرًا تاريخ 5 أفريل المقبل للجلسة الأولى من القضية المتعلقة بالتهم “الإرهابية”.