اقتصاد النّاس | ماذا يعني رفع البنك المركزي لنسبة الفائدة؟ ولمصلحة من؟

20/02/2019
O Income Inequality Facebook

social disparity: wealthy minority and the 99 per cent

اقتصاد سياسي – تحليلات – خاصّ – انحياز


الخبر: ترفيع البنك المركزي لنسبة_الفائدة_المديريّة من 6.75% إلى 7.75% (وهي الزيادة الثالثة في ظرف سنة). ويُتوقّع أن يؤدّي ذلك آليا إلى رفع معدّل_نسبة_الفائدة في السوق النقدية (TMM) من 7.24% حاليًا إلى 8.24% نهاية شهر مارس المقبل.

وقد قدّم البنك المركزي في بيانه الصادر أمس هذا القرار ضمن “الإجراءات الملائمة للحدّ من الآثار السلبيّة لـ “استمرار الضغوط التضخمية (الذي) يُشكّل خطرا على الاقتصاد وعلى المقدرة الشرائية للمواطنين”.

ماذا يعني ذلك؟

عمليًا سيؤدّي إرتفاع معدّل نسبة الفائدة في السوق النقدية إلى ارتفاع ما يدفعه أصحاب القروض البنكية (سواء الاستهلاكية منها أو الاستثماريّة) وإلى الاحجام عن طلب قروض جديدة. ومن الآثار السلبيّة المعروفة لذلك تراجع اقبال الناس على الاستهلاك، ونزوع بعضهم إلى إدخّار أموالهم سعيًا للاستفادة من الترفيع في نسبة الفائدة، وأمّا على مستوى الاقتصاد الكلّي، فإنّه يؤدّي إلى تراجع الاستثمار، وبالتالي تباطؤ للحركة الاقتصادية وفي خلق مواطن شغل جديدة.

لمصلحة من اتُّخذ هذا القرار؟

منذ نهاية سبعينيات القرن الماضي، وبداية ما يُعرف بـ”الطور النيوليبرالي” في المنظومة الرأسماليّة العالمية (خاصّة في الغرب، قبل توسّعها إلى باقي العالم بعد انهيار الاتحاد السوفياتي)، صارت البنوك المركزيّة تضع على رأس أولويّاتها “محاربة التضخّم” في الأسعار. وذلك بعد أن كانت جلّ الدول – حتى تلك ذات الاقتصاد الليبرالي كتونس – تتبّنّى سياسية اقتصادية ذات مضمون اجتماعي أكبر، وتضع نُصب أعينها تشجيع الاستثمار بما يسمح بتنشيط الاقتصاد وخلق مواطن شغل جديدة والحدّ من نسبة البطالة.

وقد تفاقم الأمر مع نزوع هذه الدول، تحت ضغط المؤسّسات المالية المُقرضة – وعلى رأسها صندوق النقد الدولي – وهيمنة الإيديولوجيا النيوليبراليّة وتعاظم نفوذ رأس المال المصرفي، إلى منح البنوك المركزيّة، وهي أهمّ أدوات السياسية الاقتصادية بأيّ بلاد، “استقلاليّتها”. أيْ أنّ إدارات البنوك المركزيّة صارت حرّة في اتخاذ ما تراه من قرارات ولا يمكن للحكومات أو الشعوب مساءلتها أو محاسبتها. ومعروف أنّ “استقلالية البنوك المركزية” هي من ثوابت الإيديولوجيا النيوليبراليّة.

وإن كان من المؤكّد أنّ الارتفاع المُشطّ لمعدّل الأسعار هو أمر خطير وضارّ، فإنّ ارتفاعه بنسبة معقولة (يقدّرها بعض الخبراء التقدّميين ب 2 إلى 5 بالمائة) هو دليل على نموّ متوازن للاقتصاد. كما أنّ أسباب التضخّم، فضلاً عن أنواعه، متعدّدة، ولا تنحصر – كما يوحي الخطاب السائد – في الزيادة في الأجور أو توفّر سيولة نقدية كبيرة، بسبب قروض الاستهلاك (وهو ما يؤدّي حسب هذا الخطاب إلى ارتفاع الطلب على السلع والخدمات وتراجع العرض). بل أثبتت دراسة هامّة أجراها المرصد التونسي للاقتصاد أنّ تونس تعاني أساسًا ممّا يُعرف بـ” التضخّم المُستوَرَد” (أي ذي الأسباب الخارجية). إذ يوضح ملخّص الدراسة أنّ التضخّم شهد انعطافة أولى كبيرة سنة 2016 إثر فرض صندوق النقد الدولي قانون استقلالية البنك المركزي. وأنّ التضخّم استمرّ في الارتفاع نتيجة لقرارات البنك المركزي والحكومة، في تماهِ تامّ مع الإيدولوجيا النيوليبرالية لصندوق الندوق الدولي، وتتمثّل تحديدًا في تحرير الدينار والتوقّف عن دعمه ابتداء من مارس 2017.

إلّا أنّ المغالطة الكبرى التي تنتهجها البنوك المركزية، التي يسيطر على أغلبها نخب مالية ذات عقيدة نيوليبرالية، هي بزعمها محاربة التضخّم، عبر الترفيع في نسب الفائدة، “حرصًا على المقدرة الشرائية للناس”. إذ أنّ الهاجس الأساسي للمسيطرين على هذه البنوك – ومن فوقهم البنوك والمؤسسات المالية الدولية – هو ضمان أرباح البنوك الخاصّة. إذ أنّ ارتفاع نسب التضخّم – ولو بنسب ضعيفة مناسبة لنموّ الاقتصاد – يعني أنّ “القيمة الحقيقيّة” للمال قد نقُصت. فإذا افترضنا مثلاً أنّك تداينت اليوم لدى البنك بقرض قيمته 10 آلاف دينار لمدّة عام، وبنسبة فائدة سنويّة بـ 5%. فهذا يعني أنّ البنك يفترض أن يربح منك 500 د عند انهائك تسديده بعد سنة. إلّا أنّ ارتفاع نسبة التضخّم خلال تلك الفترة فوق نسبة الفائدة، أي فوق 5%، سيعني أنّ ما ستُسدّده من مال للبنك، سيكون ذي “مقدرة شرائية” أضعف. وبالتالي ستكون قيمة أرباح البنك أقلّ ممّا كان يرجوه أصحابه.

وبالتالي، وبشكل عامّ، فإنّ السبب الحقيقي والرئيسي الذي يدفع البنوك المركزية “المستقلّة” لوضع “محاربة التضخّم” على رأس أولويّاتها، عوض محاربة الفقر والبطالة وتشجيع الاستثمار، هو خدمة البنوك الخاصّة وحراسة مصالحها والحرص على ازدياد أرباحها الطائلة. لكن في حالتنا بتونس الأمر أخطر. إذ كما تكشف دراسة المرصد التونسي للاقتصاد، المذكورة أعلاه، فإنّ السلطة الحاكمة هي التي تسبّبت في التضخّم عبر تعمّدها تنفيذ املاءات صندوق النقد الدولي (تحرير الدينار، رفع أسعار المحروقات، رفع الأداء على القيمة المضافة والخ)، ومن ثمّة يعمل البنك المركزي “المستقلّ” على “محاربته” عبر الترفيع المستمرّ في نسب الفائدة. وهو ما يعني أرباحًا أكبر للبنوك، تدهورًا متزايدًا للمقدرة الشرائيّة، تباطئا أكبر للنموّ الاقتصادي، تراجعًا أكثر لقيمة الدينار، عجزًا أكبر للدولة، مزيدًا من الحاجة للاقتراض الخارجي والخ.

(تمّ إعداد هذا النصّ بالاعتماد جزئيًا على معلومات مستقاة من كتاب “درس موجز للدفاع الذاتي في الاقتصاد – ألف باء الرأسمالية – للباحث جيم ستانفور)

اكثر قراءة