“756 شهيدا.ة سقطوا خلال الأربع وعشرين ساعة المنقضية، من بينهم 344 طفلا” (وزارة الصحة في غزة).
المذبحة مستمرة على مرأى العالم بتغطية وتواطؤ صارخين من الدول الاستعمارية الغربية. هدفهم ليس فقط الانتصار العسكري، بل خاصة هزيمة الشعب الفلسطيني، ومن ورائه كافة الشعوب العربية، معنويًا. يسعون لإذلالنا حتى لا نفكّر ثانية في خيار مقاومة احتلالهم وعنصريتهم وسياسات نهبهم لثروات بلداننا وتفقيرهم لشعوبنا وهيمنتهم الإيديولوجية على عقولنا.
ولذلك، ردّنا يجب أن يكون تصعيد المقاومة، بمختلف الوسائل والأشكال، لا الاستسلام لمشاعر الحزن والعجز (مع تفهمّ ذلك فنحن بشر ذوي قدرة معينة على تحمل ما نراه من جرائم). نعم، لا شيء يضاهي هول المجزرة ولا مقاومة ترتقي الى خيار حمل السلاح والانتقام من الارهابيين، لكن هناك عدة أمور يمكنها، اذا استمرّينا في القيام بها، تحقيق أثر ملموس في ميزان المعركة، وما سيتلوها من جولات في هذا الصراع الوجودي بيننا وبينهم.
أولا، مواصلة الضغط من أجل سنّ قانون يجرّم كافة أشكال التطبيع. هذا القانون سيساعدنا في تحصين بلادنا من المزيد من الاختراق الصهيوني وفي محاصرة المطبّعين. ونحن نقترب من تحقيق هذا الهدف، لكن مازالت القوى المعادية تحاول تعطيله.
ثانيًا، مواصلة الاحتجاج ضدّ القوى الاستعمارية الغربية المشاركة في هذا العدوان إمّا بالتمويل والسلاح (خاصة الولايات المتحدة ومعها بريطانيا وفرنسا) أو بالدعم والتغطية والتبرير والتعتيم وقمع أصوات الرفض (ألمانيا، ايطاليا، كندا + اليابان..). يجب أن يكون واضحا – لدينا قبلهم – أنّنا لن نقبل باستمرار مصالحهم في بلداننا، وأنّنا سنتعامل معهم على حقيقتهم كأعداء لشعوبنا، لا يجب التطبيع معهم. وأضعف الايمان في هذا المجال هو مقاطعة شركاتهم (بشعار “قاطع ما استطعت واسعى لانتاج البديل محلّيا”) وكلّ مؤسساتهم الرسمية (سفارات، وكالات تعاون، معاهد ثقافية والخ) أو غير الرسمية المنحازة للعدوان (أيّ حزب أو جمعية أو منظمة أو ماشابه تتبّنى سردية تبرير العدوان أو المساواة بين المحتلّ والمقاوم). يحب أن يفهم هؤلاء أننا شعوب قادرة على الفعل والايذاء ولا نقبل بأن تُمسّ كرامتنا كما يجري الآن. نجاحنا في اعادة بناء هذا الوعي سيكون له أثر ملموس ونتائج ايجابية، لما بعد انتهاء المعركة الحالية، نحو المزيد من ثقافة استرجاع السيادة وفكّ الارتباط مع مراكز الهيمنة الرأسمالية المعولمة.
ثالثا، مواصلة جمع المساعدات والتبرعات. أهمية ذلك تتجاوز قيمة ما يقع جمعه. أهميته تكمن في شعور الناس بانخراطهم في المعركة ويحدّ من شعورهم بالعجز، كما يساهم في تعزيز انتمائنا الى صف المقاومين والصامدين في غزّة. اذ أنّ أحد أهم أهداف القوى الاستعمارية والصهيونية طيلة العقود الماضية كان ضرب الانتماء المشترك الى كيان ثقافي وحضاري واحد، هو الأمّة العربية (من خلال تأجيج النعرات الطائفية والاثنية الانعزالية) وضرب طموح اتحاد هذه الشعوب ونهضتها ضمن وطنٍ عربيّ متحّد الهوية والمصير متنوع الأصول والأديان واللغات والخ، ديدنه الحرية والعدل الاجتماعي والسيادة. وقد ساهمت أنظمتنا العميلة الرجعية في ذلك بشكل أساسي طيلة العقود الماضية، وحان الوقت لاسترجاع هويتنا الجامعة واستئناف مشروع تحررنا الوطني/القومي بقيادة الطبقات الشعبية، ولصالحها.
رابعًا، يجب تحويل هذه الظروف القاسية الى فرصة لنثقّف أنفسنا أكثر بخصوص أصول الحق الفلسطيني وتاريخ الصراع العربي الصهيوني وأبعاده وآفاقه. وهي فرصة ثمينة لافشال ما اشتغلت عليه قوى الاستعمار (خاصة من خلال أدوات هيمنتها الثقافية) طيلة العشرية الماضية (بعد اجهاض الانتفاضات الشعبية العربية) من ضربٍ لانتماء الأجيال الجديدة وتغييبٍ لوعيها وتشتيت لأولوياتها وتوجيهها من الهمّ العام نحو أوهام الخلاص الفردي.
هذه أهم المسائل والمهام التي يجب أن تكون حاضرة في بالنا هذه الأيام. وبقدر تقدّمنا في انجازها لن نكون فقط ساهمنا في تعزيز صمود الفلسطينيين ومقاومتهم، بل سنكون قد حقّقنا خطوات هامة على طريق النصر في صراعنا الاستراتيجي مع عدوّنا الصهيوني، قاتل الأطفال، ومن معه من أعداء امبرياليين وعملاء رجعيين.
“خلّوا الهمّة عالية، بدّها طول نفس”. الشهيدة شيرين أبو عقلة