بكلّ ما في هذا العالم من حقارة، قرّر العدوّ الصهيوني استئناف حربه الإباديّة ضدّ أهلنا في غزّة (أكثر من 400 شهيد منذ فجر اليوم)، بتشاور مسبق مع العدوّ الأمريكي وبدعمه المُعلَن.
وهو ما يعني أنّ يعني الولايات المتحدة، التي كانت الضامن الأساسي لاتفاق وقف اطلاق النار، لم تكتف بالسكوت عن انتهاكه وعن عدم المرور إلى المرحلة الثانية منه، بل باتت تحرّض على خرقه وعلى العودة الى الحرب الإبادية.
الرسالة واضحة جدًا، وعلى كلّ فرد من أبناء هذه المنطقة أن يفهمها: لا قيمة لكم، لستم بشرًا مثلنا. لا حرمة لدماء أطفالكم وشيوخكم ونسائكم ولا حرمة لرمضانكم وصيامكم.. إمّا أن تقبلوا الخضوع لشروطنا والاستسلام أو تُقتَلون.
هذا في فلسطين، أمّا في البقية من المحيط إلى الخليج، فسنفرض على أغلبكم الاستكانة والرعب عبر مشاهدة القتل على المباشر، وأن تبقوا محكومين بأنظمة إمّا متواطئة معنا في الجريمة أو خانعة مكتفية ببعض الإدانة اللفظية الجوفاء… وكلّ ما هو مسموح لكم مواصلة صراعاتكم العبثية بين “شيعة” و”سُنّة” والخ. أو مواصلة دفن رؤوسكم في الرمال والانغماس في حياتكم اليومية الاستهلاكيّة لعلّها تساعدكم على عدم رؤية أشلاء الأطفال ودماء الأبرياء…
هل قدرنا أن نرضى بهذا الذلّ؟
قطعا لا. صحيح أنّه بعد ثمانية شهر من بدء حرب الإبادة في غزة بات من الصعب أن تقنع نفسك، قبل أن تقنع غيرك، بالمصلحة من تنظيم الاحتجاجات السلمية، ولا حتى بجدوى الكتابة والتعليق على ما يجري. فنحن إزاء إدارة أمريكية لا تخفي وجهها الفاشي المتوحش، ولم تعد تحاول تزيين مشاركتها في الجريمة حتى بنفاق الإدارة السابقة عن “ضرورة ادخال المساعدات الغذائية إلى المدنيين في غزة”. نحن اليوم أمام إدارة أمريكية تعلن على الملأ أنّها تهدف الى تشديد هيمنتها على العالم من خلال ما تسمّيه بـ”فرض السلام بالقوّة”. ومثلما نرى، هي اختارت أن توقف الحرب مع روسيا، بعد أن انتهى دور الوكيل الأوكراني في استنزافها، وبعد أن أثبتت روسيا أنّ لديها ما يكفي من القوة للصمود وفرض شروطها. من الواضح أنّ الأمريكان يعيدون ترتيب أولوياتهم: اخضاع منطقة المشرق العربي وغرب آسيا بالنار: استئناف الحرب في غزة، وضرب اليمن، ومحاصرة المقاومة اللبنانية عبر العصابات التكفيرية للجولاني (التي صار اسمها “أمن عام” و”جيش سوري”)، وصولا إلى الاستهداف المتوقّع لإيران. ولا حاجة لتهديد بقية الأنظمة العربية، فهي إمّا مشاركة في العدوان أو تكتفي بمراقبته عاجزة خانغة.
ومع ذلك، الاستسلام لهذا الواقع البائس هو انتحار مؤكد لشعوب أمّتنا. رغم كلّ التعب والحزن والشعور بالعجز، يجب علينا جميعًا التفكير في ما يمكننا القيام به. من يستطيع تأدية الواجب كاملًا يتواجد بعد على الجبهات، أمّا دور البقية فيجب أن يتمثل في : مواصلة التظاهر لا فقط للتنديد بالجرائم، بل للتعبير عن الغضب ضدّ أنظمتنا المتواطئة، أو العاجزة في أفضل الأحوال.
وفيما يخصنا في تونس، يجب انعاش حملات المقاطعة ضدّ الشركات الداعمة لاقتصاد العدوّ. وإلى جانب ذلك ينبغي أن تكون هناك مطالب واضحة موجّهة للدولة. وهذه المرّة لا يجب أن تقتصر على سنّ قانون تجريم التطبيع ووقف التعاون العسكري والأمني مع الأمريكان. بل يجب المطالبة بوضوح بقطع كلّ العلاقات (الديبلوماسية والاقتصادية والعسكرية والأمنية والثقافية والخ) مع هذه الدولة التي تحوّلت بوضوح وبوجه مكشوف إلى عدوّ مشارك في جريمة الإبادة.
بغضّ النظر عن مدى قدرتنا على فرض هذه المطالب، من واجبنا أن نعبّأ الناس من أجل موقف يحفظ كرامة شعوبنا ومستقبلها ولا يقبل بأقلّ من وقف كلّ أشكال التعامل مع من يقتل أطفالنا.