في الوقت الذي يعلن فيه العدو الامبريالي الأمريكي صراحة عن استراتيجيته حيال فلسطين والمنطقة: هزيمة المقاومة، الحفاظ على نفوذه وترميم صورته، وفرض التطبيع مع العدو الصهيوني (نقلا عن مستشار الأمن القومي الأمريكي). وفي الوقت الذي تنفلت فيه آلة الحرب الصهيونية من عقالها لتقتل المزيد من أهلنا في غزة وأطفالها وتدمّر ما بقي من بيوتها ومؤسساتها…
في هذا الوقت، الذي يفترض أن نضاعف فيه جهودنا وتحركاتنا لدعم صمود اخوتنا المرابطين هناك عبر استئناف المطالبة بقانون تجريم التطبيع ووقف التعاون العسكري مع دولة العدو الأمريكي وتعزيز ثقافة المقاطعة والخ، نجد أنفسنا مضطرّين للخروج للشارع من أجل الدفاع عن ما تبقى من “حرّيات عامة”. نجد أنفسنا مضطرّين لنقول لا في وجه مأسسة سياسة الترهيب البوليسي والقضائي وتجريم حرّية التعبير والتضييق على العمل الجمعياتي والتضامن مع المستضعفين من ضحايا المنظومة الرأسمالية المعولمة (اخواننا المهاجرين من جنوب الصحراء)…
قد يعتقد البعض (بما في ذلك من الوسط اليساري)، أننا نخرج دفاعا عن “أصدقائنا” أو عن “امتيازاتنا” المتبقية من “منظومة الانتقال الديمقراطي” (التي يصرّون على “تفكيكها” بطريقة تشبه رمي الجنين مع ماء الحمل). في الحقيقة، نعم. نحن نخرج دفاعا عن أصدقاء ورفاق لنا يتعرضون لملاحقات قضائية جائرة (وليس عن المعارضة اليمينية بشقيها أو عن بعض الوجوه الليبرالية المرتبطة بالقوى الاستعمارية)، ونخرج كذلك دفاعا عن مكتسبات منحتها لنا جميعا ثورة 17 ديسمبر المجهضة: حرية التعبير والتنظم الحزبي والجمعياتي والاعلام والخ.
ولكننا أولا وقبل كل شيء، نخرج دفاعا عن شعبنا – تحديدا الطبقات الشعبية – وعن الهامش المتبقي من الأمل في مستقبل أفضل لبلادنا. فنحن نعلم جيّدا (خاصة من عاش فترة الاستبداد النوفمبري) أنّ الطبقات الشعبية (من صغار فلاحين وعمال وفلاحين بلا أرض وشباب الأحياء الشعبية والخ) كانت، وستكون مجدّدا، أكبر المتضررين من عودة نظام الاستبداد القائم على لجم الأفواه وتغوّل البوليس. كما نعرف مدى أهمية تلك الحريات العامة لمن يناضلون من أجل العدالة الاجتماعية والاشتراكية والسيادة الشعبية والوطنية، فمن دونها لا امكانية ملموسة لنشر أفكارنا بين الناس والنضال ميدانيا معهم من أجل تحقيقها.
نعم، استفاد أعداؤنا الطبقيون من هذه الحريات أكثر منّا خلال “عشرية الانتقال الديمقراطي” المغشوش (بسبب امكانياتهم وتنظمهم مقابل تشتتنا واغفالنا لمنطق الأولويات وشروط الانغراس الجماهيري)، لكنّ حرمانهم منها بهذا الشكل المتعسف لا يهدف الى بناء بديل مناقض لهم (وهذا ما نراه من استمرار لنفس السياسات اقتصاديا وسياديا – في جوهرها بمعزل عن الخطاب الرسمي المفارق)، بل سيؤدي الى حرماننا جميعا منها. وهو ما سيفضي ضرورة الى العودة الى ما قبل “الانتقال الديمقراطي”، الذي انتقدناه بشدة من أجل تجذيره لا النكوص عن مكاسبه.
باختصار، نحن نخرج اليوم لوعينا بخطورة المنحدر الذي تنزلق اليه الأوضاع، ودفاعا عن امكانيات استمرارنا في الانحياز لمصالح مفقّري شعبنا وجهاتنا المهمّشة وبلادنا التابعة ومقاومي أمتنا المضطَهدة. لذلك نقول أنّ الحرّيات ليست ترفا برجوازيا، بل شرط ضرورة لمواصلة النضال الطبقي والوطني.